• صائغ .. نوبل ..!




    لطالما تساءلت منذ زمنٍ طويل لماذا لم يفز شاعر عربي بجائزة نوبل للآداب حتى اليوم ؟ وكنت دائما أجيب بيني وبين صمتي إجابات تهويمية تتعلّق بخصائص اللغة الشعرية العربية .. تلك اللغة التي تفقد سحرها وجاذبيتها وعذوبتها حين تحيل الرؤى الشعرية المتخلقة في رحمها إلى لغةٍ أخرى.. هذه اللغة الشعرية تشبه العصافير ريش ناعم أحيانا ومخالب في أحايين أخرى، اعتمد شعراؤها على تقنياتها الخاصة بها والتي من أهمها المجاز كأحد مصادرها ونعني به تلك التشبيهات التي تميت نفسها لتُبعث من جديد بتهويمٍ أكبر وبدلالات عصرية متوالدة، لهذا قلت مات محمود درويش ولم يفز بجائزة نوبل ، وسبقه آخرون كنزار قباني ومازلنا بانتظار أن يفوز أدونيس بها يومًا أو أن يأتي شاعر آخر يشيع شعره في الوجود فنزفّه جميعًا لحفل الشيخ نوبل وجائزته، عدتُ لهذا الحديث الصامت الطويل قبل زمنٍ أقل وقلت لعلّ هذا الغياب مردّه سياسة هذه الجائزة الموقفية تلك التي تكافئ على موقف المبدع في إبداعه لا على إبداعه الخالص أي أنها ربما اتكأت على ما يمكن أن نطلق عليه مسمى ( الالتزام في الأدب) وهو توجيه ذاتي للإبداع ليمثل موقفا فنيا في آخر الأمر، فهي تمنح الأديب نفسها وقيمتها لموقفه في الإبداع لا لموقفه من الإبداع ولهذا ربما فاز بها نجيب محفوظ كروائي حينما فاتح الحارة المصرية واخترق التابو الديني والاجتماعي فيها، وقدم لنا من خلال (ثلاثيته) أو حتى (أولاد حارتنا) جغرافيا سائلة للحارة المصرية...
    ظلّت تلك القناعات مع ذلك الصمت الناطق فيّ منذ سنوات طويلة لكنني فوجئت في الأسبوع الماضي بنبأ ترشيح الشاعر الإماراتي حبيب الصائغ لهذه الجائزة المتكبّرة علينا منذ انفتاح قصيدتنا العربية عليها... حبيب الصائغ شاعر إماراتي عني شخصيا لم أعرفه قبل هذا النبأ ربما لقصورٍ في.. لكنه حتما يظل بصورة أو بأخرى من شعراء الظل حينما يشاركني الجهل فيه أصدقاء آخرون، بل الطريف في الأمر أنني حين سمعت لقب الصائغ اتجه ذهني مباشرة إلى الشاعر العراقي عدنان الصائغ وهو شاعر عراقي مهاجر لكنه يقع في بقعة ضوء خوّلت لي ولبعض أقراني الاطلاع على تجربته، ربما لايفوز حبيب الصائغ بجائزة نوبل على الأقل كي لاتفقد جدّيتها ومصداقيتها عندنا نحن المهتمين بالشعر وشؤونه وشجونه حينما لايدرك إلا بعضنا من أن حبيب الصائغ ينتمي إلينا، لكنّ أمر ترشيحه كما أراه يعد نكوصا مفزعا في فهمنا للشعر وقيمته الحضارية في الوجود ..!
    قلتُ لصديقي حينما عيّرني بقصوري في معرفة الشاعر الإماراتي الشقيق حبيب الصائغ الذي ترشحه مؤسسات ثقافية متعددة في منطقة الخليج العربي لهذه الجائزة بعد أن قدّم لي سيرة الشاعر وإصداراته، قلت إنّ للقصيدة رائحة ليس بوسعها الاختباء في (البشوت) أو الاكتفاء بكتابتها على البنكنوت، رائحة ياصديقي جعلتني أصادق محمود درويش في قبره بينما لم أتعرّف بعد على حبيب الصائغ بالجوار ..!

    إبراهيم الوافي
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام