• شبهة الشعر .. وحجة الشعراء


    هنالك علامة تعجّب ترتسم وتساؤل يتبدّى , كان دافعاً للتفكير في البحث والتقصّي وكتابة موضوع عن أقاويل تتردد أحيانا ..
    التعجّب أن الشعر حرام وأن شاعراً ترك الشعر لأنه التزم !

    التساؤل لما يلجأ البعض للتعميم ؟!

    لابد أن نعي أن الشاعر ليس مغلول القلم ,بل شاعر حر طليق لاتحده قيود , طالما أنه يلتزم الفضيله بدون فحش بالقول وغيرها من الأمور غير المستحبة أو المكروهه في ديننا الإسلامي ..
    لانحتاج القياس في هذا الأمر ولابالعوده لأحاديث وروايات ذُكرت في مدار هذا الموضوع .. فأنا أؤمن بكل مايسمو بالهدف والمقصد سواء في مجال المدح / هجاء الأعداء/ الذّب عن الإسلام / الوعظ / حتى في غرض الغزل العفيف .. وغيره وكل من شأنه أن يحفّز الشاعر على الالتزام بالأخلاقيات التي إذا التزم بها فقد ركب سفينة النجاة ..
    هنالك مداخل للرد على هذه الأقاويل المغلوطة فالكثير من العلماء يلجؤون إلى الشعر في خطابهم العام والخاص , بل إن في مجالس أهل العلم من الشعر الشيء الكثير , وهناك من القصائد مايتردد في مجالسهم على سبيل التعليم والتدريس ومنها مايتردد على سبيل الوعظ والتذكير, , ناهيك على أن هناك من كبار الصحابة من كان ينشد الشعر مثل علي بن أبي طالب وله ديوان معروف في هذا الشأن , وفي الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً "سنن ابن ماجه وصححه الألباني
    ولتوضيح اللبس لمن يشكك ولمن يحتج بها دون أدنى معرفه أو البحث عن تفسيرها بسوء تأويلها أستناداً للآيه الكريمه " والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم ترأنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون مالا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ماظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " فالمقصود بها شعراء المشركين الذين تناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء ومسّوه بالأذى ,أما المؤمنين فقد أستثناهم الله سبحانه وتعالى وشدّد عليهم بقوله " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات "

    وإلا بماذا نفسر بأن هنالك شعراء من الأنصار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سخّروا الكلمه في الشعر للانتصار لرسول الله في الإجابة عنه .. مثل حسان بن ثابت , كعب مالك , عبدالله بن رواحه , وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " هؤلاء النفر أشد على قريش من نضح النبل "

    وقد بارك عليه الصلاة والسلام استعداد كل من يدافع عن الإسلام بسيفه , ودعا الشعراء إلى ذكر مواطن الضعف في خصوم الدعوه حتى يشددوا عليهم الهجاء موضحاً أثره .. بقوله لرائد الشعر الإسلامي حسان بن ثابت : " أهجهم _ يعني قريشاً _ فوالله إن لهجاؤك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام "

    الشعر في الإسلام رساله من الشاعر والتزام في الحرص على الصدق واللين ومعاني الخير بما يخدم المبادىء والأهداف ..
    ولعل تحرّج البعض من اللجوء إلى تضمين الخطاب الشعري في المواعظ والدروس تحديداً من باب عدم تقديم المفضول مع وجود الأفضل , أي أن في القرآن والسنة مايغني في هذا المقام من اللجوء إلى الشعر , , وقد يكون منهم من يرى أن في الشعر في هذا المقام تقليل من هيبة العلم وقدره , وهذا الإمام مالك يقول ( ولا بأس بإنشاد الشعر إذا لم يكن فيه ذم أحد ) وهو بذلك يقدّم الحجة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت " أنشد ومعك روح القدس " بل أن الشعر كان يُنشد بين يدي الرسول في مسجده في المدينة .

    وإذا لجأنا إلى واقع الحال المعاصر فإن المتمعن في مضمون الخطاب الوعظي لا يخفى عليه القدر العالي لقيمة الشعر في خطابهم , فهذا الشيخ عائض القرني والشيخ سلمان العودة على سبيل المثال , لا تكاد تخلو محاضراتهم ودروسهم من تضمين الشعر بين مفردات هذا الخطاب .

    فكل مايشغل المرء عن عبادة الله حق عبادته فهو أمر لا يصح أياً كان هذا الأمر حسب ماذكر أهل العلم وبالضوابط المذكورة والتي لامجال لسردها هنا .. وهذا مما دعا عمر بن الخطاب أن يستحسن شعر زهير في رواية ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وقد سأله عمر : هل تروي لشاعر الشعراء ؟ قال ابن عباس : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : ابن أبي سلمى. قلت: وبم صار كذلك ؟ قال : لأنه لايتبع حواشي الكلام , ولا يعاضل من المنطق , ولا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه .
    وكان لعمر رضي الله عنه موقف صارم من الهجاء والهجائين , فلم يكن الإسلام ليسمح بسبّ أعراض المسلمين , وقد حبس الحطيئه حين هجا الزبرقان بن بدر , ثم أطلقه على ألا يعود إلى الهجاء , وأشترى منه أعراض المسلمين بمبلغ من المال .

    ويستدل من ذلك إن الإسلام أيّد وأثرى الشعر وأنطقه على لسان بعض الشعراء لأغراض ساميه .. فأحيا بذلك أشكالاً واغراض من الشعر تتحد مع الإسلام عاطفة وفكرا وأسلوبا . بعيداً عن اغراض الغزل الفاحش .. الشعر الماجن .. المديح الكاذب .. الفخر الذي يثير الأحقاد والضغائن .. والهجاء والثأر والظلم والعدوان ..

    حقيقة , لم أجد أي تعارض بين الشعر والالتزام أستناداً للآيات وتفسيرها وبعض المواقف التي تؤكد مشروعية الشعر الملتزم والحريص على معاني الخير والبعيد عن بعض الأغراض خاصة التي تمس أعراض المسلمين .. فهو كلام كسائر الكلام .. حلاله حلال وحرامه حرام , لو كل شاعر التزم وعمل على توظيف الكلمه الشعريه لخدمة المبادىء والقيم النبيله تجاه نفسه ودينه وقضايا أمته أجدى من تركه الشعر نهائياً.. لاشك ستصبح رساله ساميه تعمل على تغيير مفاهيم بالتأثير والتركيز على المعاني الدينيه والأخلاقيه سواء الهجاء لمن يهجو رسول الله أو لأهل السنه أوكفاح على اهل البدع .. وبذلك تبقى ملكة الشعر في ميزان قوة الأسلام في الانتصار للحق بالشعر, فقد قال صلى الله عليه وسلم .. "الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما امور متشابهات "
    الامام الشافعي كان شاعراً , وقد جمع شعره في ديوان , ومن بعض ابياته التي نُسبت إليه قوله :
    شكوت إلى وكيع سوء حفظي ...فأرشدني إلى ترك المعاصي
    وأخبرني بأن العلم نور.... ونور الله لا يهدى لعاصي

    الأبيات السابقة توحي في ظاهرها بأن فيه ازدراء للشعر والشعراء وهي في حقيقة الأمر لا يحتمل هذا المعنى , وذلك لأن المعنى الحقيقي للبيت أن طالب العلم لا يجوز له الالتهاء بالشعر والتفرغ له وتقديمه على طلب العلم الشرعي , لأن هذا سيؤدي إلى التقليل من التحصيل العلمي للطالب , كما سيؤدي ضرورة إلى الالتهاء عن مجالس العلم بمجالس الشعر ...
    إذن الشعر لابد أن يكون بعيداً عن أغراض الغزل الفاحش .. الشعر الماجن .. المديح الكاذب .. الفخر وكل مايسبّب و يثير الأحقاد والضغائن .. والهجاء والثأر والظلم والعدوان .. بين الناس .. إذن لاغضاضه إجازة الأشعار ذات المعاني الحسنه التي لافحش فيها وترك المكروهه التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم منها القصائد التي تدعوا للفاحشه أو أشاعه لها والغيبه وقبيح القول .. .. الكذب والنفاق والخداع والنميمه والهجاء البذيء التي تمس اعراض المسلمين وتثير الحقد والبغضاء بينهم , وزر الكافر أو الجاهل يعود عليه وحده ومقصور عليه دون غيره , لقوله تعالى " ولا تزر وازرة وزر أخرى وأستناداً بالنهي عنها كما ورد في الآيات الكريمه ..وقال تعالى " ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان "سورة الحجرات
    وفي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وهل يكب الناس في النار على وجههم الا
    حصائد السنتهم ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح

    Twitter Account: @Noouf_M
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام