الشيخ ناصر بن محمد آل ثاني : عدم وجود نقابة للفنانين خذل الأغنية القطرية

AG حوار : سلطان الذوادي


أكد الملحن والشاعر الشيخ ناصر بن محمد آل ثاني أن الأغنية القطرية تعيش أزمة مستمرة في ظل افتقارها للدعم الحكومي ، وعدم وجود شركات إنتاج فنية تدعم الفنانين , وكذلك عدم وجود نقابة للفنانين ، الأمر الذي خذل الأغنية القطرية وأضعفها ، معتبرة أن حال الأغنية القطرية لن يتطور طالما هي تفتقد لمثل هذا الدعم ،داعيا وزارة الثقافة والإعلام والمدارس إلى إنشاء منظومة متكاملة ترعى المواهب الفنية وتطورها .



وقال الشيخ ناصر آل ثاني لبوابة الأنباء أن الأغنية العربية حالها كحال القطرية تعيش أزمة كبيرة في ظل ثقافة تقليد الغرب السائدة في الألحان المطروحة , معتبرا أن الإشعار الحالية لا تلهم ألحانا أصيلة , داعيا في الوقت نفسه الملحنين إلى الاستفادة من جيل الكبار الذي أبدع ألحانا خالدة ما زالت تطربنا حتى الآن ,كاشفا عن تفاصيل رؤيته الفنية وكيف يمكن أن نرتقي بمسامع الجمهور بالكلمة واللحن وذلك من خلال الحوار التالي:



متى اكتشفت موهبتك الموسيقية ؟ وأي الإبداعين لديك أسبق في الظهور الموسيقى أم الشعر ؟

الموسيقار ولد بداخلي قبل الشاعر حيث وجدت منذ بواكير طفولتي شغفا يموج بأعماقي للموسيقى، وخصوصا آلة العود التي كانت موسيقاها وألحان أوتارها دائما حاضرة في مخيلتي ، وكانت أنغامها تهزني وتحرك كوامن مشاعري ، فكنت أحلق في الأعالي كلما نما إلى مسامعي عزف أوتارها ، وأحببت أن أتعلم العزف على العود ،وعندما نجحت بالصف الخامس الابتدائي سألني الأهل ما الذي أريده كهدية لهذا النجاح؟ فلم أتردد في أن أطلب العود هدية لنجاحي ، وبالفعل تم تفصيل عود صغيرخاص لي في جمهورية مصر العربية يناسب عمري حيث كانت فرحتي به لا توصف ، وبدأت أتساءل عن أفضل موسيقار يعزف على آلة العود فأخبرت أن هناك كوكبة من الموسيقيين المبدعين على رأسهم فريد الأطرش وعبادي الجوهر وطلال مداح فقمت أتابع عزفهم وطريقتهم وتركت لمسامعي العنان خلف ألحانهم وعزفهم حتى التقطت خيوط الإبداع من أناملهم الفذة وأجَدْت العزف وأتقنت لغة الوتر .



على يد من تحولت الهواية إلى احتراف ؟

كان ذلك على يد الفنان المبدع أسامة حسين شقيق الفنان غازي حسين ، حيث بدأت علاقتي به صدفة حينما سمعت عن افتتاح محل جديد بمنطقة العزيزية يبيع آلة العود ،فذهبت إلى هناك لأجرب هذه الأعواد كي أقتني ما يعجبني منها ، و طلبت منه أن يخرج لي أفضل الأعواد لديه ، فأخرج لي أحدها وقمت بالعزف عليه لأجربه ،فسألني أين تعلمت كل هذا العزف ؟ فقلت له لم أتعلم على يد أحد ، فتعجب وسألني ما طموحك في استخدام هذه الآلة ؟ هل ستكمل التعلم وممارسة العزف حتى تكون موسيقارا وملحنا ؟ فأجبته نعم حتى يتناغم لدي الشعر الذي أجيده والموسيقى التي أهواها ، فقال إذن فلنبدأ في أساسيات التلحين ونتدرب على المقامات فعرفني بنفسه ،وهو أحد أهم الموسيقيين في قطر ، وبدأ في تعليميالمقامات الموسيقية مثل الحجاز ، حجاز كرد، بياتي ، بياتي الحسيني، الصبا، النهاوند ، الرست ، وغيرها منالمقامات العامة بكل أنواعها ، وعرفني كيف أبدأ المقام وكيف أختمه وعرفني كيف يتم التزاوج والتنقل بين المقامات وغير ذلك من الأمور اللحنية .



ما أول لحن أبدعته ؟

أول عمل قدمته كان لحنا على مقام البياتي وهو من كلماتي ، حرصت على أن أدخل عليه تنقلات وفواصل على شكل مقاطع وكل مقطع له رتم خاص به ، وهو على العموم لحن مكبله ، وقد أعجب كل الأساتذة الذين سمعوه وأشادوا به ، وهذا اللحن سيغنيه المطرب سيف السلطان في ألبومه الجديد.



بدأت مسيرتك الاحترافية كملحن ,حدثنا عن هذه التجربة :

قدمت ثلاث أغان للمطرب / سيف السلطان هي "الخبر"و"العطر" كأغاني عاطفية و"قطر تباهي" بحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد أل ثاني أمير البلاد المفدى وهي أغنية وطنية ، واستخدمت فيها التخت الشرقي وتنقلت بين المقامات وكانت الألحان على نمط اللحن الطربي .



هل لديك استعداد للتعامل مع المطربين المتواجدين على الساحة ؟

من أراد منهم العمل معي فأنا أرحب به وأتعاون معه بكل سرور .





هل تؤيد أن يواكب اللحن الذوق العام ؟

الكلمة في الحقيقة هي التي تلهم اللحن فإذا كانت الكلمة حزينة فمن العبث أن تجعل اللحن راقصا فيجب أن تكون الكلمة واللحن متناسبان ، فبعض الألحان الراقصة مثل فقاعات الصابون سريعا ما تتلاشى من ذاكرة الجمهور ،وذلك لأن هذه الألحان خرجت عن الموروث الشرقي وراحت تقلد اللحن الغربي والنمط الأجنبي فلا هي أبقت على أصالتنا العربية ولا هي أصبحت غربية فأصبحت كالمسخ التائه ، أما الألحان المتميزة التي نهجت على أسلوب السلطنة والتخت الشرقي كما سمعنا من ألحان فريد الأطرش وغيره من العمالقة فقد عاشت في وجدان الناس لأنها عبرت عنهم واحترمت أصالتهم وثقافتهم الشرقية وقدمت لهم الفن سهلا سلسلا كما الأنفاس .




كيف ترى واقع الأغنية القطرية الآن ؟

أرى أن أزمة الأغنية القطرية عرض مستمر قديما وحديثا ، فلا توجد شركات إنتاج ولا يوجد دعم مؤسسي حكومي كبديل لعدم وجود شركات إنتاج ، وأصبح كل مطرب يعتمد على نفسه ، وصارت لكل واحد محاولات فردية وكل حسب جهوده ، فعدم وجود مؤسسة راعية للغناء ولا نقابة ترعى الفنانين خذل الأغنية القطرية وأضعفها ، ولذلك فأغلب المطربين يسجلون ويطلقون أغانيهم خارج قطر حيث يجدون التشجيع والدعم.



وكيف ترى مستقبل الأغنية القطرية في ظل الواقع الحالي ؟

إذا استمر الوضع الراهن كما هو عليه من عدم وجود شركات إنتاج وعدم وجود رعاية مؤسسية للغناء وعدم توافر الدعم ، فستظل الأغنية تعاني الركود في المستقبل كما عانت منه في الماضي والحاضر .



في نظرك كيف ننهض بالأغنية القطرية ؟

لابد من وجود رعاية مؤسسية للغناء بإنشاء نقابة للفنانين، وأن تقوم وزارة الثقافة بتشجيع إنشاء شركات إنتاج موسيقية ، كما أن المدارس يجب أن تبحث عن المواهب الفنية وتنميها وترعاها في إطار منظومة تعليمية متكاملة مع الجهات المعنية ، كما أن الإعلام يجب أن يقوم بدوره بأن يقيم جلسات طربية لهم في برامج خاصة ويسلط الضوء عليهم بشكل أكبر، ويبث أغانيهم ويقوم بتكرارها على مسامع الجمهور وأن يقيم لهم الحفلات المميزة ويدعم المواهب الجديدة .



من أفضل الملحنين على الساحة حاليا؟

من أفضل ملحني قطر الموسيقار عبد العزيز ناصر فهو موسيقار بمعنى الكلمة جمع بين الدراسة المعمقة للموسيقى والموهبة الفذة التي تلهمه بأبدع الألحان ، وهو الملحن الذي يستحق أن ينال لقب الملحن القطري الطفرة أي الذي تنتج قريحته المبدعة الروائع بكل سلاسة وتلقائية ،كما أني أرى الشيخ فيصل بن جاسم ( الفيصل )من أفضل الملحنين في الدولة وقد غنى له الفنان محمد عبده والفنانة ذكرى والفنانة أحلام وغيرهم ، وهو الذي لحن مسلسل حكم البشر وقدم الكثير من الألحان الجميلة ، عدا ذلك فإني أستطيع أن أقول أن المستوى العام للملحنين المحليين عادي .


ما الذي تعيبه على الملحنين المتواجدين حاليا على الساحة ؟

أغلب الملحنين حاليا وللأسف باتوا لا يستخدمون التخت الشرقي الأصيل في ألحانهم ، وإنما الأغلب الأعم منهم يعتمدون على إيقاع راقص سريع ولا أعلم كيف خفي عليهم أن الإيقاع الراقص لا ينبعث من الطبلة وحدها ، فكم قدم لنا العمالقة رياض السنباطي والقصبجي ومحمد عبد الوهاب وعبد العزيز ناصر وغيرهم ألحانا راقصة رائعة ،بالرغم من أنهم كانوا يسمعوننا الآلات وهي تتحاور حوارا ممتعا ، ويسلطون سحر موسيقاها على النفوس فتطربها وتبهرها وتحرك مكنون مشاعرها،أما الألحان التي تشبه المأكولات المعلبة فإنها لا تسمن ولا تغني من جوع لدى المستمع الشرقي الأصيل كما أنها لا تساوي شيئا في ذمة الفن .



كيف ترى واقع الموسيقى العربية الان ؟

الساحة الفنية تعيش أزمة كبيرة في مستوى الألحان المقدمة والأزمة بدأت من الكلمة فنرى أن انتقاء الكلمات في الأغلب لم تعد على المستوى المنشود ، والذي أساء لثقافتنا ولساننا العربي ، ناهيك أن مدراسنا باتت لا تركز على اللسان العربي بجماله وروعته ، وانصرفت عنه إلى اللغات الغربية، ولذلك خرجت الأجيال ضعيفة في إتقانها للعربية ، وإذا ما قارنت أي جيل بمن قبله وجدت من قبله أفضل منه، فاللسان صار ركيكا وانعكس ذلك على اللحن ، واللحن في النهاية مرآة للكلمات وانعكاس لها . فلكي ننتظر لحنا جميلا يجب أن تكون الكلمة سلسة رشيقة حيث إن الكلمة المغناة لها ملامح وقسمات خاصة تعلن عن نفسها وملمس ناعم لا تخطئه أذن الموسيقار، وأنا أقول إن الأشعار التي تطرح حاليا لا تلهم الألحان .


المشكلة الكبرى أن مطربينا هجروا التيمة الشرقية وباتوا يركضون خلف الغرب يقلدونه، ولكن في النهاية عندما تسمع المطرب الغربي تجده أفضل بكثير لأنه يقدم غناء غربيا خالصا يتوافق مع هويته وثقافته ، فلماذا نهجر ثقافتنا وموروثنا وسحر موسيقانا و نكتفي بالتقليد لثقافة غريبة علينا؟ ونرضى بوصف التبعية الشائهة ؟ هذا ما لا أجد له تفسيرا وجيها حتى الآن .





هل يستطيع اللحن الشرقي يصمد أمام الغزو الموسيقي الغربي ؟

في النهاية لا يصح إلا الصحيح ، فكل مجتمع له ثقافته وهويته ، فالأذن الشرقية حساسة للحن الشرقي وبينهما حالة عشق لا تنتهي ، وأنا حينما أقدم اللحن الشرقي فأنا لا أقدم دخيلا على مشاعرهم ومسامعهم بل أصيلا يتناسب مع طباعهم وثقافتهم وأصالتهم ، فليس بغريب أن تتلقفه المسامع بالقبول والنفوس بالطرب والقلوب بالهوى . ما أفعله هو إحياء أصالتنا العربية وألحاننا الشرقية العريقةبالقواعد والأسس التي سار عليها الأساتذة رياضالسنباطي وزكريا أحمد وفريد الأطرش وغيرهم من عمالقة الفن الأصيل .



هل ترى أن للحن الطربي حاليا مستمعين أم لا ؟

يجب أن يساهم الملحن في تكوين وعي الجمهور ، ويريهم زوايا جديدة ومتميزة في الموسيقى العربية ، أما أن يكون الملحن مقلدا ولا غير فهو مثل الببغاء يقلد الغير ويتبعه بكل حذافيره لكنه ليس بقادر على إنشاء الكلام أصالة ، وللأسف صار التقليد للرتم الغربي سائدا ، وأنا أرى أن الملحن الأصيل يكون متنوعا متجددا مع روح العصر ولكن في إطار الروح الشرقية ، فيقدم الراقص والموروث الشرقي والرومانسي والمديح والحزين والحكمة وغيرها ، فتنوعه ضرورة حتى لا يكون منغلقا على اتجاه واحد ولكن في إطار ملامح موسيقانا الشرقية .


ما سمات الملحن الناجح في نظرك ؟

على الملحن أن يختار الكلمة أولا وقبل كل شيء ولابد أن تكون الكلمة جيدة معبرة مفهومة سلسة ، كما أن الملحن الأصيل لابد أن ينطلق من التخت الشرقي ، وإن أدخل شيئا من الموسيقى الغربية فلابد من المحافظة على الروح الشرقية ، فقد كان كبار ملحنينا مثل الموسيقار عبد الوهاب يدخل شيئا من الموسيقى الغربية ، ولكن دون أن يفقد روح العمل الشرقية ، ولابد أن يكون الملحن متطورا في جمله اللحنية ورتمه بحسب السياق العام للكلمة ،ويلحنها على آلة متمكن منها ثم يأتي دور التوزيع على باقي الآلات ،فيعرف متى يستخدم الناي والكولة والقانون و العودوالكمان والأورج وغيرها من الآلات ، و يحسن توزيع أدوارالجملة اللحنية عليها بشكل ممتاز .