• ضمّه


    سبق وأن أخذت على عاتقي ألاّ أكتب إلا مايهم،
    وأسقطتُ في آخر الجملةِ (ني)
    لأن (ني) فردٌ من أفراد (هم)
    ولأن (هم) إذا أهملت تشكيلاتها قرأت بعدة أوجه،
    وأنا حقيقة لا يهمني إلا وجهُ الضَّمّْ ..

    الضمّة الحنونة في أيامنا هذه أصبحت من محرمات الجيل،
    هل يستطيع أحدنا أن يضم رجلاً في الشارع لا يعرفه؟
    حدثَ ذلك، وبمجرد ما حدث، حدثت ضجة لا أول لها ولا آخر، لأنني مضيت سريعاً، ولكنني أعي جيداً أنني سمعتُ أصواتاً تسأل الرجل مابه وما بي!
    كنتُ في السوق، وجائني إتصال على حينِ غرّة، ينبأني بوفاة شخصٍ عزيز، لم أتمالك نفسي، فنثرت البكاء على مرأى الجميع، وكان يقف مقابلاً لي رجلاً أحسبه طيب ولله الأمر، سألني على عجلة .. مابك..!
    قلتُ له –مااات-.
    قال لي أحسن الله عزاءك، الله يغفر له ويرحمه، تصبر يارجل، وضمني، وطلب مني أن يوصلني بنفسه، فحلفت عليه ألاّ يفعل وأن يتركني وشأني، مشيت سريعاً، سمعتُ أناساً تحدثه مابه، وهل تعرفه، وأظنهم أناس كانوا يقفون معه من قبل.
    تركتهم ومضيت ...

    حقيقةً: لا أعرف ذلك الرجل ولايعرفني، فقط حدث أن هدّأ من روعي وافترقنا، دعيتُ الله له كثيراً، ودعوت الله بأن يستجيب دعاءه حينما دعا لميتنا بالرحمة والمغفرة، فلربما تستجاب دعوات الغيب من الناس الذين لانعرفهم ويكونون عند الله أزكى منّا.
    وأصبحت أبحث في كل مكانٍ أنزله عمّن يحتاج إلى تصبير لأفعل معه مثلما فعل معي الرجل.

    تسائلت بعدها، ماذا لو كان هناكَ ضمّة حقيقية مشابهة ولكن على مستوى أكبر من المجتمع مثلاً للأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري، ماذا لو صار الخير بعيداً عن الأنظار، وأصبحنا نحرّم بعض المواقف التي نراها أمامنا في الأسواق من توبيخ وضرب الآباء لأبناءهم علناً، ماذا لو أخبرناهم بأساليب لطيفة (أنهم لربما يفقدوهم يوما ما، هل سيكون هذا تصرفهم؟)،
    لماذا لا نقف جميعنا وقفة رجلٍ واحد، على قلبٍ واحد، ودين واحد، لنوقف كل هذا؟
    أعتقد بأننا لن نعود بحاجة لمؤتمراتٍ تنمي هذه الحاسة لدينا وتضخمها، وتعطيها حجمها الإعلامي الأكبر منها،
    إذاً!
    لنشد على أيدي بعضنا البعض، لنبدأ بأنفسنا، ثم لننصح من نعرف ومن لا نعرف ولنقدم المواعظ والعبر،
    فلربما كنّا أقرب إلى قلوب الناس من الكلام -المضخم- عبر المايكات، والأوراق والندوات ..
    لأنها أولاً وأخيراً ليست ظاهرة، بل عادة سيئة عند فئة محدودة من أفراد (هم) الذي يحتاج الآن إلى ضمّة قوية.

    لنفعلها (سرّاً) ونترك الأثر كبيراً في النفوس،
    حتى لا تصبح لحوم أبناءنا (ني) ـة ...
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام