• من شعراء صدر الاسلام عبد الله بن الزبعرى


    بقلم أ. فالح نصيف الحجية الكيلاني
    هو عَبْدُ اللّهِ بنُ الزِّبَعْرَى بنِ قَيْسِ بن عَدِيّ بن سَعْد بن سَهْم بن عَمْرو بن هُصَيْص القرشي
    اما أمه فهي عاتكة بنت عبد الله بن عُمَيْر بن أُهَيْب بن حُذَافَة بن جُمَح .

    ولد وعاش في مكة ونشأ وشب قبل واقعة الفيل وكان شعراء مكة المعدودين وافصحهم لسانا وبيانا وفي هذه الواقعة يوم تقدم ابرهة الحبشي من اليمن لهدم الكعبة يقول عبد الله الزبعرى :

    تنكلوا عن بطن مكة إنها
    كانت قديماً لايرام حريمها

    لم تخلق الشعرى ليالي حرمت
    إذ لا عزيز من الأنام يرومها

    سائل أمير الجيش عنها ما رأى
    ولسوف يبني الجاهلين عليمها

    ستون ألفاً لم يئوبوا أرضهم
    ولم يعش بعد الإياب سقيمها

    كانت بها عاد وجرهم قبلهم
    والله من فوق العباد يقيمها

    وكان من الشعراء الذي هجو المسلمين والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وله شعر في اغلب المعارك التي دارت بين المسلمين والمشركين قبل دخوله الاسلام فمن ذلك هذه الابيات في معركة يوم أحد يبكي قتلى المشركين فيقول :
    ألا ذرفت من مقلتيك دموع
    وقد بان من حبل الشباب قطوع

    وشط بمن تهوى المزار رفرفت
    نوى الحي دار بالحبيب فجوع

    وليس لما ولى على ذي حرارة
    وإن طال تذراف الدموع رجوع

    ومجنبنا جرداً إلى أهل يثرب
    عتاجيج منها متلد ونزيع

    عشية سرنا في لهام يقودنا
    ضرور الأعادي للصديق نفوع

    نشد علينا كل زغف كأنها
    غدير بضوج الواديين نقيع

    فلما رأونا خالطتهم مهابة
    وعاينهم أمر هناك فظيع

    وودوا لو أن الأرض ينشق ظهرها
    بهم وصبور القوم ثم جزوع

    وقد عربت بيض كأن وميضها
    حريق ترقى في الأباء سريع

    بأيماننا نعلو بها كل هامة
    ومنها سمام للعدو ذريع

    فغادرن قتلى الأوس عاصبة بهم
    ضباع وطير يعتفين وقوع

    وجمع بني النجار في كل تلعة
    بأبدانهم من وقعهن نجيع

    ولولا علو السعب غادرن أحمداً
    ولكن علا والسمهري شروع

    كما غادرت تحت لوائه على
    لحمه طير يجفن وقوع

    بأحد وأرماح الكماة يردنهم
    كما غال اشطان الدلاء نزوع

    وقد رد عليه شاعر النبي محمد صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت الانصاري بهذه الابيات فقال:

    أشاقك من أم الوليد ربوع
    بلاقع ما من أهلهن جميع

    عفاهن صيفي الرياح وواكف
    من الدلو رجاف السحاب هموع

    فلم يبق إلا موقد النار حوله
    رواكد أمثال الحمام كنوع

    فدع ذكر دار بددت بين أهلها
    نوى لمتينات الحبال قطوع

    وقل إن يكن يوم بأحد يعده
    سفيه فإن الحق سوف يشيع

    فقد صابرت فيه بنو الأوس كلهم
    وكان لهم ذكر هناك رفيع

    وحامى بنو النجار فيه وصابروا
    وماكان منهم في اللقاء جزوع

    أمام رسول الله لا يخذلونه
    لهم ناصر من ربهم وشفيع

    وفوا إذ كفرتم يا سخين بربكم
    لايستوي عبد وفي ومضيع

    بأيديهم بيض إذا حمش الوغى
    فلا بد أن يردى لهن صريع

    كما غادرت في النقع عتبة ثاوياً
    وسعداً صريعاً والوشيج شروع

    وقد غادرت تحت العجاجة مسنداً
    أبياً وقد بل القميص نجيع

    كف رسول الله حيث تنصبت
    على القوم مما قد يثرن نقوع

    أولئك قوم سادة من فروعكم
    وفي كل قوم سادة وفروع

    بهن نعز الله حتى يعزنا
    وإن كان أمر سخين فظيع

    فلا تذكروا قتلى وحمزة فيهم
    قتيل ثوى لله وهو مطيع

    فإن جنان الخلد منزلة له
    وأمر الذي يقضي الأمور سريع

    وقتلاكم في النار أفضل رزقهم
    حميم معاً في جوفها وضريع


    ولما دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مكة فاتحا في عام الفتح فهرب عبد الله بن الزِّبَعْرَى وهُبَيْرَة بن أَبِي وَهْب المخزومي زوج أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب من مكة حتى انتهيا إلى نَجْرَان فلم يأمنا من الخوف حتى دخلا حصن نجران فقيل لهما:
    - ما وراءكما؟-
    -فقالا: أما قريش فقد قُتِلَتْ ودخل محمد مكة ونحن نرى أن محمدًا سائرٌ إلى حصنكم هذا.

    فجعلت بلحراث بن كعب يُصْلِحُون مَا رَثَّ من حِصْنهِم وجمعوا فاشيتهم فأرسل حسان بن ثابت الأنصاري أبياتًا يُريد بها عبدَ الله بن الزِّبعرىيقول فيها :

    لاَ تَعْدَمَنْ رَجُلا أَحَلَّك بُغْضُه
    نَجرانَ في عَيش أَحَذَّ لئيمِ

    بَلِيَتْ قَنَاتُكَ في الحروب فأُلْفِيَتْ
    خَمَانَةً جَوْفَاءَ ذَاتَ وُصُومِ

    غضب الإلهُ عَلَى الزِّبَعْرَى وابنهِ
    وعذابُ سوءٍ في الحياةِ مُقيمِ

    قيل ولمَّا بلغ ابن الزِّبعرى شعر حَسّان بن ثابت هذا تهيأ للرجوع الى مكة فقال له هُبَيرة بن أبي وهب:
    -أين تريد يابن عم؟
    - قال: أردتُ محمدًا.
    - قال: تُرِيد أن تَتَّبعه؟
    قال: إِي والله! -
    - قال: يقول هبيرة: يا ليت أني كنتُ رافقتُ غيرك! والله ما ظننت أنك تتبع محمدًا أبدًا!
    قال ابن الزِّبعرى: فهو ذاك فعلى أي شيء نقيم مع بني الحارث بن كعب وأترك ابن عمي وخير الناس وأبرهم ومع قومي وداري أحب إلي.
    فانحدر ابن الزبعرى حتى جاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه فلما نظر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم
    قال: (هذا ابن الزبعرى ومعه وجه فيه نور الإسلام).

    فلما وقف عليه قال: السلام عليك أي رسول الله! شهدتُ
    أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله والحمدُ لله الذي هَدَاني للإسلام فقد عاديتك وأَجْلَبت عليك وركبتُ الفرس والبعير ومشيت على قَدَمَيّ في عداوتك ثم هربت منك إلى (نَجْرَانَ) وأنا أريد أن لا أَقربَ الإسلام أبدًا ثم أرادني الله منه بخير فألقاه في قلبي وحَبّبه إلَيّ فذكرت ما كنتُ فيه من الضلالة واتباع ما لا ينفع ذا عَقْل من حجر يُعْبَد ويُذْبَح له لا يَدري مَن عبده وَلاَ مَن لاَ يَعبده.
    فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي هداك للإسلام أحمد الله أن الإسلام يَحُتُّ ما كان قبله).
    بينما أقام هُبَيْرة بن أَبِي وهب ب(نجران) مشركًا حتى مات بها و قد أسلمت امرأته أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب يوم فتح مكة فلما سمع ذلك ابن الزبعرى رجع إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فانشد :

    يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إِن لِسَانِـي
    رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ اذ انا بور

    إِذْ أُجَارِي الشَّيْطَانَ فِي سَنَـنِ
    الي وَمَنْ مَالَ ميله متبور

    مآمَنَ الْلَّحْمُ والعظام بما قلت
    فَنَفْسِي الشَّهِيدُ أَنْـتَ النَّـذِيـرُ

    إِنَّ مَا جِئْتَنَا بِهِ حَقُّ صِـْدقٍ
    سَاطِعٌ نوره مضيئ منير

    يَشْهَدُ السَّمْعُ والفؤاد بما قلت
    وَنَفْسِي الشَّهِيدُ وَهْيَ الخَبِيرُ

    إِنَّ مَا جِئْتَنَـا بِه ِ حَقُّ صدق
    ٍ سَاطِعٌ نُورُهُ مُضِيءٌ منيرُ

    جِئْتَنَا بِالْيَقِينِ والبر والصدق
    وَفِي الصِّدْقِ وَاليَقِينِ سُرُورُ

    أَذْهَبَ الْلَّهُ ضَلَّةَ الجهل عنا
    وَأَتَانَا الرخاء والميسور

    وهذه أبيات في قصيدة له يمدح بها النّبي صَلَّى الله عليه وسلم:

    سَرَتِ الهُمُومُ بِمَنْزِلِ السَّهْــمِ
    إِذْ كُنَّ بَيْنَ الجِلْدِ وَالعَظْــمِ

    نَدَمًا عَلَى مَا كَانَ مِـــنْ زَلَلٍ
    إِذْ كُنْتُ فِي فِتَنٍ مِنَ الإِثْمِ

    حَيْرَانَ يَعْـــــــمَهُ فِي ضَلاَلَتِهِ
    مُسْتــَـورِدًا لِشَرَائـِــــعِ الظُّلْمِ

    عَمــَــــهٌ يُزَيِّنُـــــهُ بَنُـــو جُمــَـحٍ
    وَتَــوازَرَتْ فِيهِ بَنُو سَهْــــــمِ

    فَاليَــــــومَ آمَنَ بَعْــــدَ قَسْوَتِــهِ
    عَظْمِي وَآمَنَ بَعْـــدَهُ لَحِمْي

    لِمُحمَّـــــدٍ وَلِمــَا يَجِـــيءُ بِــهِ
    مِنْ سُنَّةِ البُرْهَــــانِ وَالحُكْمِ

    وقد أجمع اغلب الرواة أن عبد الله ابن الزبعرى - رضي الله عنه - قال بعد إسلامه شعرًا كثيرًا حسنًا يعتذر فيه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واكتفي بذكر اثنين منهم بهذا المؤلف الموجز : .

    قال ابن كثير :
    (كان عبد الله بن الزبعري السهمي من أكبر أعداء الإسلام، و من الشعراء الذين استعملوا قواهم في هجاء المسلمين، ثم منَّ الله عليه بالتوبة و الإنابة و الرجوع إلى الإسلام، و القيام بنصره والذب عنه)

    وقال القرطبي :

    (وأما عبد الله بن الزبعرى فإنه أسلم عام الفتح وحسن إسلامه، واعتذر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقبل عذره، وكان شاعرا مجيدا، فقال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وله في مدحه أشعار كثيرة ينسخ بها ما قد مضى في كفره ).
    تُوفي في السنة الخامسة عشرة من الهجرة النبوية المباركة الموافق للعام \636 ميلادية ..
    ومن القصائد الرائعة التي قالها معتذرا للنبي صلى الله عليه وسلم مادحا له بعلامات النبوة ومعترفاً بنبوته مؤمنا بصدق ما جاء به:

    منَعَ الرُّقَـــــــــــــادَ بَلابلٌ وَهُمُــــــــومُ
    وَاللَّيْلُ مُعْـتَلِجُ الرواق بهيم

    مِمّـــَا أَتَانِي أَنَّ أَحْمَــــــــــدَ لاَمَنِـي
    فِيـهِ، فَبِتُّ كَــأَنَّنِي مَحْمُـومُ

    يَاخَيْرَمَنْ حَمَلَتْ عَلَى أَوْصَالِهَـــــا
    عَيْرَانَةٌ سُرُحُ اليدين غشوم

    إِنِّي لَمُعْتَـــــــذِرٌ إِلَيـكَ مِــــــــنَ الَّتِي
    أَسْدَيتَ إِذ أَنَا فِي الضَّلاَلِ أَهِيمُ

    أيَّــــامَ تَأْمُرُنـِي بِأَغْــــوَى خُطَّــــــــــةٍ
    سَهْـــــمٌ وَتـَأْمُرُنِي بِهَــــا مَخْــــــزُومُ

    وَأَمدُّ أَسْبَابَ الهَوى وَيَقُــــــــودُنِي
    أَمْــــــــرُ الغُوَاةِ وَأَمْرُهُمْ مَشـــــؤومُ

    فَـاليـَومَ آمــــــــَنِ بِالنَّبيِّ مُحَـمَّــــــــــدٍ
    قَلْبِـي وَمُخْطِىءُ هَــــــذِهِ مَحْرُومُ

    فاذا العَدَاوَةُ وَانْقَضَتْ أَسْبَابُهَا
    وَأَتـَتْ أَوِاصِـــــــرُ بَيْننًا وَحُـلُــــومُ

    فَاغْفِرْ فِدًى لَكَ والدِيَّ كِلاَهُمَـــا
    وَارحَمْ فَإِنـَّكَ رَاحِــــــمٍ مَرْحُـــومُ

    وَعَلَيكَ مِنْ سِمَةِ المَلِيكِ عَلاَمـــةٌ
    نُـورٌ أغَـــــــــرُّ وَخَــــــاتَمٌ مَخْتُــــومُ

    أَعْـطَــــــاكَ بَعْــــــدَ مَحبَّةٍ بُرْهَانـَــهُ
    شَــــــــرَفًا وَبُرْهَانُ الإِلَهِ عَظِيـــــــمُ

    فالح نصيف الحجية
    الكيلاني
    العراق- ديالى - بلدروز
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام