• اِحلمْ .. نُؤجر


    من الملاحظ دائما حرص كثيرٍ من الناس على متابعة برامج تفسير الاحلام في القنوات الفضائية المختلفة .. وهذا حق مشروع لكل طالب علم أو معرفه من منطلق قوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام الذي كان أعبر الناس للرؤيا ( ويعلمك من تأويل الأحاديث ) ومن حديث الرسول ص المتفق عليه وما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ؟: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لم يبق من النبوة إلاّ المبشرات , قالوا ومالمبشرات ؟ قال الرؤيا الصالحة وهذا لفظ البخاري

    وجاء في المسند للأمام أحمد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم " الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له " مايهمنا في هذا الجانب هو تسليط دائرة الضوء على البرامج التي تستضيف مفسرين الأحلام , الذين يتنافسون على التفسير الأصدق في القنوات الفضائية , منهم من يستعين بالجن والعياذ بالله , ليصف الرائي من خلال صوته , بمايخص هيئته الجسمانية وعمله وتحديد راتب وظيفته ليشغل الناس عما هو أهم , ومنهم من يتاجر بحضوره الاعلامي بفتح قنوات تجارية بواسطة هاتف جوال برقم معين وبرسوم معينة ورسائل نصية مفادها ( أرسل حلمك وأحصل على تفسيره ) !

    حقاً , من أمن العقوبة أساء الأدب ! قال تعالى ( ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ) سورة هود
    على المفسرين أياهم , أن يتقوا الله في أنفسهم من نار وقودها الناس والحجارة , وأن يحثّوا ضمائرهم لتستيقظ , وأن يشحذوا من قلوبهم ماء الرفق ليسكبوا الرحمة على قلوب اضنتها الحيرة وطلب الأمل , المتعطشين للمبشرات أو المنذرات التي يمكن أن تغيّر حياتهم إلى ماهو خير لهم, فكيف تٌفسر الأحلام برسائل متبادله على الهاتف الجوّال بين الرائي والمعبر وهو يفتقد أهم شروط التفسير؟!
    أهمها عدم المعرفة بزمن الرؤية ولا حال الرائي وحالته الاجتماعيه وعمره وجنسه ولا الملابسات أو الظروف التي تحيط به , فلايمكن أن تتم تعبير الرؤيا مالم تكتمل شروط وأصول وقواعد متبعه في هذا العلم , من خلالها يستطيع تجميع الرموز ليتمكن من الاستخراج الصحيح للمعاني , وأهم الشروط أن يكون عالماً بالقرآن والسنّة النبوية وحتى إن تحصّن المعبّر بهما , فهما وأن أجتمعتا لاتخوّله أن يكون مفسّراً للأحلام إلاّ بتزكية الشروط الأخرى , ومنها أن يتسم بالذكاء والفطنة , عارفا بأحوال الناس وهيئاتهم , والاستدلال بالسؤال والتفحص والتمعن عن حال الرائي, فكلما تعاطى مع الرائي كلما كان أقرب إلى التأويل, وحتى يستطيع الفصل والحسم بين الرؤيا الصالحة والرؤيا التي من الشيطان وأضغاث الأحلام
    نضيف إلى ذلك أنه هنالك أشخاص ليس لهم قدرة على التعبير بالرسائل وبالتالي قد يفهم المعبّر من الرسالة خلاف ما يريد الرائي . إلى غير ذلك من المحاذير التي تترتب على التأويل بالرسائل .
    ولعل أشهر المفسرين للأحلام ابن سيرين في العصر الأموي , كان إذا وردت عليه رؤيا يمكث طويلا يسأل صاحبها عن نفسه وحاله وصنعته وعن قومه ومعيشته ولا يترك شيئا ولا ناصحا بعلمه إلاّ استعان به ليستدل من خلاله ويتمكن من تأليف الأصول وربط الرموز بعضها ببعض حتى يحصل على جوهر التأويل .
    رُوِي أن رجلاً دخل على ابن سيرين وقال له : إني رأيت في المنام أني أؤذن فأولها له بأنه يحج ، وجاء بعده رجل وقال له : أني رأيت نفسي أؤذن, ففسرها له بأنه يسرق ، فسأله من كان حوله , عن سبب اختلاف التعبير ، فقال عبرتها للأول بأنه يحج لأن (هيئته خير) أستناداً للآيه الكريمة في قوله تعالى ( وأذن بالناس بالحج ) ، وأما الثاني فعبرّتها له بالسرقة لأن الآخر( لا تبدو عليه سمات الخير) من قوله تعالى ( ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ) ومن هنا نؤكد على أن الهيئات تعمل دورا كبيرا في تأويل الرؤى حسب حال الرائي لقوله جل جلاله " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ " الفتح 29 "
    إذن معرفة حال الرائي أو من خلال هيئته أساس من أساسيات التأويل . ولا يخفى على كل متخصص في تعبير الرؤيا ما للجهل أو التجاهل بهذا الأساس من تأثير . لأن أغلب الرموز تدل على عدة معاني ولا نستطيع اختيار أي واحد منها إلا بمعرفة حال الرائي

    سُئل مالك : أيعبر الرؤيا كل أحد ؟
    فقال : أبالنبوة يُلعب ؟!

    وبالقياس مع هذه الإجابة نرى بكل حسرة في عصرنا الحالي , أستدرار الأجور المتراكمة من رسوم رسائل وَهَم تفسير الأحلام , والتي تتزاحم في جيوب من أستهان في مشاعر الناس وعقولهم تحت شعار ( اِحلم .. نؤجر ... )

    Twitter Account: @Noouf_M
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام