• كسرى ... مقابل أبو الحكم بن هشام رضي الله عنه!


    بقلم : يوسف علاونة أتذكر قبل أكثر من ثلاث سنوات (يوليو 2015) حالتي الذهنية المُكذبة وعقلي المصدوم، أثر تنصب إيران الملالي المعممة بولاية أهل بيت النبوة تمثالا لكسرى في مياه الخليج العربي!*.

    يومها فورا فكرت أن الجواب هو نصب تمثال لأبي جهل مع حذف صفته الإسلامية، وتسميته بمكناه الجاهلي: أبو الحكم بن هشام ورب الكعبة!.

    ويومها كان رد الفعل الأول هو ضحك بلغ حد القهقهة، لأن كسراهم هذا لا شأن له بالبحار أصلا، فحضارة فارس القديمة بالمجمل، حضارة أهل جبل لا صلة لها بالسفن!.

    وفارس حتى وهي امبراطورية كبرى لم تكن بلاد تجارة عبر البحار، وكحضارة لم تقدم للبشرية شيئا كما هو شأن الحضارات البحرية العظيمة، فلم تعط الخلق حرفا يكتبون به كما هي كل الأبجديات تماهي العربية، ولم يتحدث لغتها أحد غير الفرس بني جلدتها، وهي أيضا لغة ذات محتوى علمي أو أدبي بالمنحى العالمي، وخارج إطارها المحلي، لأن فارس أساسا تنتمي لما يسمى حضارات العزلة، تلجأ باستمرار إلى التعالي لتعويض النبذ الذي تواجهه في الخارج، كما الصين تداوي تواضعها بالأسوار، وكما اليابان تحصن نفسها بلفظ الغرباء!

    وليس للفرس عبر التاريخ اختراعات أو اكتشافات علمية تنسب لهم، فقد عاشوا على آثار ومنجزات اليونان والرومان، ولم يكن أمامهم لغلب هؤلاء كي يصيروا مثلهم، إلا تزويجهم من بنات كسرى، كما حدث مع الاسكندر، وكما حصل مع العرب الفاتحين المبشرين بالإسلام!.

    وحتى الكتب اليونانية، فإن من جاء بها هو الخليفة المأمون الذي عاش ردحا من سلطته في فارس، ليعوض ذلك بأخذها كجزية وثمن هدنة من القسطنطينية فنشطت في عصره وبعده حركة الترجمة في بيت الحكمة البغدادي العباسي.

    وقد كان المنفتح الشاطر المستنير من الفرس مستعربا لأنه بلغته الأصلية لا شيء.. وقد لقينا كعرب حضارة فارغة إلا من مظاهر التفاخر والأبهة والترفه والتفكه، ولهذا كان الاندماج الفارسي بعد عصية القتال سريعا، لدرجة أن علماء كثيرا من علماء النحو والصرف كانوا فُرسا سرعان ما ينسون لغتهم، فيبرزون باللغة العربية كما حدث مع سيبويه مؤلف أعظم كتب النحو في التاريخ العربي ومثله نفطويه، وسواهما، خصوصا بعد الاهتمام الذي أبداه الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لغاية حفظ لفظ المصحف الذي ينكره اليوم ويشكك فيه إمعة إيراني أحمق مثل المالكي!

    وكان كل ما أخذناه كعرب في إدارة الدواوين وتنظيم الدولة من الروم وليس من الفرس، والدليل أن فارس لم تسقط كليا في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإنما ظل آخر أباطرة الفرس (يزدجرد) حتى عهد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه، ومعلوم أن عمر هو واضح التنظيم الأساسي للدولة، ومعلوم أن تعريب الدواوين تم على يد الأمويين.

    فالعرب في حضارتهم الإسلامية المستجدة لم يأخذوا من الفرس أداة ولا دواة، ولا معول ولا أي شيء باستثناء ما أسلفت *مما يتصل بأساليب المعيشة الفاخرة ممن جنح إليها عرب الغنائم ما بعد حركة الفتوح.

    ليس لإيران شيء تفخر به خارج لحظة انضوائها في حضارتنا العربية الإسلامية، وحتى تشيعها الحالي، جاءها من العرب فهي سنية أصلا، ونفذه بالقوة الجبرية رجل غير فارسي أصلا (إسماعيل الصفوي) ففرضه بالقوة الجبرية عبر تحريق البيوت وقطع الرؤوس، بعدما أقنعه فيه رجال دين عرب من لبنان!

    وليس هذا الذي سبق كله مهما!

    المهم أن الذي يجدد أمجاد الكسروية ليس الشاه ملك الملوك محمد رضا بهلوي أجلس الحكام العرب في خيمة من الكريستال، تحفهم الشموع في أواني الذهب، وأمامهم الأطباق عقيقية والملاعق والسكاكين والشوكات من الذهب الموشّى بالزمرد، ليحتفل بالذكرى الـ 2500 لأجداده الكياسرة، ثم يحتل جزر الإمارات بعد شهر!

    لا.. لم يكن (الشاه شاه آريامهر)!..

    إن من يجدد أمجاد الكسروية، هم الملالي.. “اليزعمون” الانتماء لأهل (بيت النبي) عليه الصلاة والسلام، الهاشمي القرشي الإسماعيلي الإبراهيمي!..

    أليس هذا الأمر داهشا للدهشة!؟

    هل تتخيل ردا مقابلا أفضل من قيام نظام عربي مسلم (لا سمح الله) بنصب تمثال لأبي جهل ثم يكتب تحته أبو الحكم بن هشام رضي الله عنه!؟

    (أهستر) هؤلاء الملالي؟
    أفقدوا عقولهم؟

    ما هذا النجاح المنقطع النظير بجلب العداوة والبغضاء من جميع الشعب العربي ومن دون استثناء!؟.. وهل كسرى هذا غير الذي نعرفه!؟.. يقيم العدل والإحسان ويوحد الله الحي الذي لا يموت!؟

    هل كسرى الذي تجدده إيران هو من هزمه الإسلام؟.. أم ضده!؟ هل كسرى لا يناهض أهل البيت مثلنا نحن العرب النواصب!؟.

    إن من المخجل أن نطالب أناسا بعد 1400 سنة من حقيقة يومية، أن يتفكروا ويعرفوا من الذي جلب لهم الإسلام فيشكروه!..وإنه لأمر محير فعلا، لا ينفع معه غير تذكيرٍ لهؤلاء الحمقى بثوابت من التاريخ في سيرة النبي الكريم الذي نجتمع عليه وإياهم إن كانوا حقا يوالونه، فالنبي أيها المهابيل أرسل لكسراكم الكافر المشرك الضال رسالة ليهديه إلى الإسلام.. ولكن الجاهل المتغطرس أبى الهداية!

    هل نذكركم برسالة النبي صلى الله عليه وآله إلى كسراكم!؟

    هاكم نصها:
    “من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام الله على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين”.

    لما بلغت الرسالة كسراكم مزقها!..

    ثم قام منتفخا وأمر كاتبه أن يكتب إلى واليه باذان في اليمن:
    “ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جَلْدين من عندك ومرهما أن يأتياني به”.
    ما أن وصل باذان أمر كسرى حتى حمّل رجلين من خيرة رجاله رسالة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كِسرى فورا.. هكذا فالطريق من يثرب إلى فارس أقرب من اليمن!..

    خرج الرجلان لا يلويان على شيء شطر المدينة فلما بلغاها علما من تعظيم أهلها للنبى صلى الله عليه وسلم وحبهم له مدى خطورة مهمتهما التعسة.. فهما كما شهدا من حب الناس للنبي يقنا أنهما لن يستطيعا الإتيان به إلا إذا أتيا بأهل المدينة معه أجمعين.. فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم كره حلقهما للحاهما وإعفائهما الشاربين فلم ينظر إليهما وقال: ويلكما من أمركما بهذا!؟ فقالا أمرنا ربنا، يعنيان كسرى، فقال صلى الله عليه وسلم ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي.. ثم دفعا له رسالة باذان قائلين: إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك.. فإن أجبتنا خاطبنا كسرى بما ينفعك ويكفُّ أذاه وإن أبيت فتعلم سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وقومك.. فلم يغضب النبي بل تبسم وقال لهما ارجعا إلي غدا!

    لقد علم النبي من الموفدين أن كسرى مزق رسالته، فدعا عليه كما هو ثابت في كتبنا وكتبكم إن لم تكونوا صححتموها لتناسب مقام كسرى الهاشمي الجديد!..

    لما غدوا الرجلان على النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي سألاه إن كان أعد نفسه للمضيّ معهما إلى كسرى؟ فقال لهما صلى الله عليه وسلم إن ربى قتل ربكما الليلة، فلن تلقيا كسرى بعد اليوم.. لقد قتله الله حيث سلّط عليه ابنه شيرويه في ليلة كذا من شهر كذا وقتَله.. لقد قتله الله لأنه مزق الكتاب الذي أرسلته إليه، فأصابتهما الدهشة.

    قال الرجلان أتدري ما تقول!؟.. أنكتب ذلك لباذان؟ قال نعم وقولا له إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى وإنك إن أسلمت أعطيتكَ ما تحت يديك وملّكتك على قومك.

    خرج الرجلان من عند النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرا باذان الخبر فكاد أن يطير عقله!.. لكنه ولحكمة عرفت عنه قال لحاشيته فلننتظر شهرا فنعرف أمر محمد هذا!.. ولننتظر حتى تأتينا الرسل من فارس فلئن كان ما قال محمد من قتل كسرى حقا، فإنه نبي صادق أما إن كان غير ذلك فلنا معه شأن آخر..

    وظلت اليمن كلها تترقب الخبر.

    ثم جاءت الرسل فقال لهم أهل اليمن هل حقا قُتل كسرى فتعجبوا.. من أخبركم؟ ثم شرحوا كيف قامت ثورة ضد كسرى من داخل بيته بعد هزيمته أمام قيصر القسطنطينية، فقام شيرويه على أبيه فقتله وأخذ الملك لنفسه، وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع للهجرة واستلم حكمه ،فحسبوا الليلة التى قتل فيها فإذا هى الليلة التى أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم..

    لقد فض باذان رسالة شيرويه إليه فإذا به يبلغه فيها التالي: أما بعد فقد قتلت كسرى وفعلت هذا انتقاما لقومنا فقد استحل قتل أشرافنا وسبي نسائنا وانتهاب أموالنا فإذا جاءك كتابي فخذ لي الطاعة ممن عندك.

    طرح باذان رسالة شيرويه وأشهر إسلامه على الملأ وأسلم ومن معه من فرس اليمن *ليصل الخبر إلى المدينة ففرح النبي صلى الله عليه وسلم فرحا عظيما، ثم رحب بعد وقت بوفدهم قائلا لأصحابه: “أتاكم أهل اليمن وهم أرق قلوبا منكم وألين أفئدة وهم أول من جاء بالمصافحة.. الإيمان يمان الفقه يمان والحكمة يمانية”.

    وبعد ذلك أرسل النبي لليمن من يفقه أهله بالدين.. علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبقي لباذان ملكه، أما كسرى فقد ذهب إلى مزبلة التاريخ.. لكن التاريخ يدور دورة عبر 1450 سنة لنبدأ من جديد مع حمقى من الفرس يريدون عودة أمجاد الكسروية!
    تبا لكم.. ومزق الله ملككم شر ممزق.


    هامش:

    حديث تمزيق حكم كسرى:

    روى البخاري من حديث الليث، عن يونس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه مع رجل إلى كسرى، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه.
    قال: فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.

    وقال عبد الله بن وهب: عن يونس، عن الزهري، حدثني عبد الرحمن بن عبد القاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم على المنبر خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وتشهد، ثم قال: “أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم فلا تختلفوا علي كما اختلف بنو إسرائيل على عيسى بن مريم”.

    فقال المهاجرون: يا رسول الله أنا لا نختلف عليك في شيء أبدا فمرنا وابعثنا.

    فبعث شجاع بن وهب إلى كسرى فأمر كسرى بإيوانه أن يزين، ثم أذن لعظماء فارس، ثم أذن لشجاع بن وهب، فلما أن دخل عليه أمر كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض منه.

    فقال شجاع بن وهب: لا حتى أدفعه أنا إليك كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فقال كسرى: ادنه، فدنا فناوله الكتاب، ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة، فقرأه فإذا فيه: من محمد بن عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس.

    قال: فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وصاح، وغضب، ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بشجاع بن وهب فأخرج.

    فلما رأى ذلك قعد على راحلته، ثم سار، ثم قال: والله ما أبالي على أي الطريقين أكون، إذ أديت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال ولما ذهب عن كسرى سورة غضبه، بعث إلى شجاع ليدخل عليه، فالتمس فلم يوجد، فطلب إلى الحيرة فسبق.

    فلما قدم شجاع على النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما كان من أمر كسرى، وتمزيقه لكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مزق كسرى ملكه”.

    وروى محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبي سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة بكتابه إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مزق ملكه”.

    *يوسف علاونه*
    twitter: @asd11asd2
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام