• كما انتهت الناصرية والشيوعية سينتهي الإخوان وملالي إيران


    بقلم : يوسف علاونة هذا مصير محتوم تواجهه الشمولية والعصبيات الحزبية، والأدلة من ذروة التقدم البشري في العالم الأول حيث تدحرجت شموليات النازية والفاشية والشيوعية خلال قرن واحد، وكذلك حصل للنتوءات الهجينة في العالم الثالث فتلاشت!

    ولأن الشمولي (الحزبي) لا يرى الأمر إلا من زاوية واحدة فهو يواصل التشبث برأيه حتى اللحظة الأخيرة، وهذا ما نراه بالملتحقين بركب دولة صغيرة مسكونة بالوهم كقطر أو الواهمين من الترك والفرس، الترك على خيالات دولة (خلافة) مريضة والفرس على قصص رسوم متحركة ما أنزل الله بها من سلطان!.

    لنؤجل وهم الترك الآن ونسأل:
    لماذا يعجز العقل الشمولي عن تصور أن إيران ستكون أرقى وأجمل وأقوى من دون نظام الملالي؟

    بل إن الدين الشيعي نفسه سيكون بحال أفضل؟

    وهل ينفرد العقل الإيراني الحاكم حاليا بهذا الوضع؟

    وهل الشمولية المستندة إلى الدين تختلف عن شمولية تقوم على المبادئ الوضعية؟

    أولا ما هي الشمولية؟ الشمولية وفي تعبير آخر (الكُليّانية)، هي دولة تفرض سيطرتها على المجتمع في كافة جوانب الحياة الخاصة والعامة، في نظام حكم مختلف عن الفردي (السلطوي) لكن بتماثل معه في السعي للتحكم بالاقتصاد والتعليم والفن والأخلاق،فإذا ضربنا أمثلة نجد نظم النازي والفاشي والشيوعية.

    ولعل أول من حقق وصفا للشمولية هو جيوفاني جنتيلي المنظر الأكبر للفاشية، فعرّف النظام بأنه مجتمع تؤثر فيه آيدولوجية الدولة والسلطة على معظم المواطنين، وتبنى هذا الزعيم بنيتو موسوليني معتبرا أن النظام يسيّس كل شيء روحي وبشري فهنا يكون "كل شيء داخل الدولة.. لا شيء خارج الدولة.. لا شيء ضد الدولة".. وهكذا لا شيء دون (المرشد).. لا شيء خارج سلطة الولي الفقيه نائب (الإمام المزعوم).. لا شيء من دون اردوغان.. لا مستقبل من دون الثورة والتدمير.. لا حياة من دون الثورة والتغيير!.

    وسيجد الباحث كثيرا من تعليل الشمولية ونقدها في كتاب كارل بوبر "المجتمع المنفتح وأعداؤه" ودون أي شك فإن في كتاب الكواكبي (طبائع الاستبداد) إغناء مهم لفكرة المزج بين منهج الخوارج في شقه العربي الإسلامي و(دمقرطة) الحداثة العلمانية في جانبها الغربي العلماني.

    وعند كثير من الفلاسفة فقد كانت الأنظمة الشيوعية والنازية أشكالا جديدة من (الحكومة)، لا مجرد نسخ مجددة لنظم طغيان قديمة، فتم التوافق على أن الشمولية هي السعي إلى تعبئة المواطنين لدعم أيدولوجيا الدولة الرسمية، من دون تسامح مع النشاطات التي لا تخدم أهدافها، والغالب أن الشمولية تتحول مع الوقت أيا كان مبدؤها لعبادة شخصية تتركز في يديها كافة السلطات ولا يمكن مناقشتها أو عزلها.. تماما كما حالة اردوغان (تركيا) وحال خامنئي (إيران)!.. أما أحوال القطيع العربي الملتحق بهؤلاء كدولة قطر فلا تستحق الإشارة لغير كونهم مجرد خدم وعملاء وجواسيس.

    والشمولية ليست مبدأ بشريا عاما يتسع لكل الناس، لكنها طريقة تفكير انتقائية تستبعد غيرها أو تكفره أو تخوّنه أو تعتبره غير وطني، ويتم ذلك بينما (القائد الخالد والأبدي) يطوّر كاريزما عبادة شخصيته عبر نظام شبه ديمقراطي يعتمد على رابطة متبادلة مع الشعب والأنصار، مستندا إلى حدود مطلقة للسلطة بمفهوم (القائد الرمز) وبفكر ثابت يرفض التعددية ويتعايش مع فساد مرتفع المستويات.

    وستجد هذا فور نظرة سريعة للنظامين التركي والإيراني فهما يدعيان ديمقراطية وحرية فيما هما من أكبر التجارب القامعة للحرية والرأي الآخر، وعبر (ديمقراطية) انتقائية.

    لكن الفشل يظل مصير كل نظام شمولي مهما بلغ من القوة، فهو نظام هش وضعيف يقوم على فهم باطل وغير مقنع للكافة رغم مشاهد البهرجة والقدرة على التحشيد بما يطمس دور الأغلبية الصامتة، أو المأخوذين وراء النظام لعدم وجود خيار آخر.

    وكما انطبق هذا على هتلر وموسيليني وفرانكو وستالين، انطبق على عبدالناصر والقذافي وصدام والأسد وصالح.. ألخ.

    وهو ينطبق على الخميني وخامنئي.. مع أنهم حكموا عبر "مجلس" أو "قيادة" حزبية أو "ولاية" فقهية أو "فلسفة" عنصرية أو تمذهب "ديني" أو "قومي"، وبالمجمل وفق رؤية خاصة حصرية!.

    وسينطبق هذا أيضا على التجربة التركية لأن الرئيس اردوغان نقل بلاده من قوة علمانية (الجيش) إلى هيمنة فردية (الرئيس)، على الرغم من كل مظاهر الاستفتاء والنشاط الحزبي فمن اليوم في تركيا سواء أكان من داخل الحزب أو على مستوى الدولة كلها يمكنه أن يقول لإردوغان لا!؟
    واضح أنه لا أحد!.

    وفي التاريخ فإن النظم الشمولية عندما تنهار يشتغل أنصارها على نظرية المؤامرة، فهم لا يتخيلون كيف ينتهي هتلر بعد أن احتل نصف أوروبا وروسيا، وكاد أن يجتاح بريطانيا، والشيوعي لا يكاد يصدق أن الاتحاد السوفياتي انهار، وأن النظرية انقرضت، بعد أن كانت القطب النظير للولايات المتحدة، ومثل هؤلاء البعثي والقومي الحالم يظل قادرا على توهم أن صدام حسين حي يرزق، وأن ناصر سيبعث من جديد!.

    وهكذا قطر تتخيل أنها بقناتها (الجزيرة) تصوغ وترسم مستقبل العرب، وكذا جماعة الإخوان وملهمها (الخليفة) إردوغان، ما زال طعم لقمة سيطرتهم على أكبر دولة عربية (مصر) في حلوقهم!.

    في حالة إيران المصيبة أشد!. فهؤلاء لن يتقبلوا أن نظرية (ولاية الفقيه) أصبحت صفرا وأنها ستتلاشى قريبا، وأن إيران الحلم الامبراطوري المغلف بالإسلام (الشيعي) انتهت.

    هؤلاء عاشوا على يقين بأن إيران هي دولة (الإمام المخلص)، المعيد للعدل بعد الضلال، وأنها ستمتلك السلاح النووي المرعب، وأنها تتدخل حيثما تشاء وتقرر ما تشاء، وتتحدى العالم فيصبح العراق تابعا لها، وتقرر الزوال لنظام طالبان فتنجز لها أميركا ذلك، وتسمح لها باجتياح الأزمة الداخلية السورية ثم تقف خلف انقلاب في اليمن وتصبح مكونا أساسيا من مكونات لبنان لا تقبل أي تركيب يزعجها في حكومته!.

    هؤلاء (الشموليون الفرس وشيعتهم) لا يتقبلون الصدمة. لم يستوعبوا أولا أن إيرانهم سلمت مشروعها النووي متوسلة رفع الحصار، وأن حزبها المخصص لتلميع صورتها في العالم الإسلامي في بوابة المزايدات على فلسطين لم يعد يقاتل إسرائيل بل انخرط في قتال طائفي بائس، وأن إيرانهم خسرت اليمن كليا، وعلى وشك خسارة دورها في سورية، وأن قوتها تستنزف في العراق، ونظامها يعاني من اضطراب واحتجاج الأقليات!.

    ولماذا يصدقون أن السعودية (القائد للمشروع العربي المضاد) لن تساهم بتعمير سورية إلا عند رحيل الإيرانيين وميليشياتهم عنها؟!.

    أن العقل الشمولي (الكليّاني) يغيّب الشعور الجمعي للملتحقين به عن رؤية الحقيقة، فتستمر المكابرة.

    وقد رأينا هذا في العقل الجمعي المصري عندما لجأ النظام الشمولي بعد هزيمة يونيو 1967 إلى الدمج بين السياسة والعاطفة مستدرا أو مستمنيا روح التحدي، مع أن مشروع الناصرية تمزق بتلك الهزيمة، فخطب ناصر وبكى ثم استقال، فإذا بالشعب يخرج للشوارع رافضا رحيله، والمطبلون يجعلون تمريغ أنوف الأمة مجرد (نكسة) ويهللون بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وأنه لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات، فإذا بنا بعد ذلك الذي بني على كل ذلك وإفرازاته ومنتجاته الأصيلة أمام اعتراف كامل ومفاوضات شاملة، بل وأمام تطبيع وعلاقات، وما أخذ بالقوة لم يتم استرداد إلا القليل منه على الرغم من كثرة التوسلات وشدة التنازلات!.

    هذه الحالة واجهتها إيران عندما لهثت لتوقيع الاتفاق النووي مع (الشيطان الأكبر) حسب قول الخميني!.. فإذا بها تنتشي بالتصالح معها وتصافحها، ثم ها هي تواجهها بعودة أميركا لموقفها المتشدد فتعود شيطانا أكبر من السابق تفرض على الحصار والعقوبات استجابة لشروط وتفاهمات مع السعودية!.

    صدمة ثقيلة يصعب على عقل إيراني ومناصريه استيعابها، وإذا حاولت إقناع هؤلاء بأن هناك قوة إقليمية كبرى كـ (إيرانهم) لا يصدقون ولا يتفهمون، ويواصلون التشبث بالحلم:

    إيران هي التي ستنتصر، فهم لا يصدقون أن السعودية لجمت إيران بالبحرين، وتطردها من اليمن وقادرة أن تكرر الأمر في سورية، وأن العراق نضج يقينه بأن إيران لا تريد له الخير فليس له غير السعودية وباقي العرب، وأن المعادلة الدولية ستعينه على هذا.

    هؤلاء لا يرون هذه الحقائق الساطعة.. ولذلك سيواصلون التوهم ذلك أن الوهم هو صلب وأساس كل بنيان العقل الشمولي الخائب.

    *يوسف علاونه*
    twitter: @ysf_alawneh
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام