• العدو الداخلي.. الأحمق


    بقلم : يوسف علاونة يأتلف أعداء العرب في هجومهم المؤتلف ضد الأمة، وفيما أطراف الألداء الفرس والترك والصهاينة ظاهرون عيانا بيانا، كان دوما يوجد طرف مختبئ يتخادم مع هؤلاء لعوامل النبذ القومية العربية التي يستشعرها كجسد غريب يعاني من الشذوذ ومتلازمة الشعور بالنقص والحقد!.

    ‏ويتطابق هذا مع ميزان ثابت أصبح قاعدة في الصراع مع الروم والفرس فيقول ابن تيمية رحمه الله تعالى (وأما استخدام مثل هولاء الباطنيين في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من الكبائر وهو بميزان من يستخدم الذئاب لرعي الغنم فانهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة امورهم وهم أحرص الناس على إفساد المملكة والدولة).

    ويقول شيخ الاسلام رحمه الله (إذا صار دولة لليهود في العراق وغيره تكون الرافضة أعظم أعوانهم فهم دائما يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم فالرافضة أحباء اليهود والنصارى).
    منهاج السنة 378\2

    ‏فهذه قواعد ثابتة للصراع لا تتغير ومكان العراق سيطر اليهود على فلسطين فماذا فعل الرافضة!؟
    لقد دمروا سورية المؤهل الأقرب (تاريخيا) لمواجهة اليهود وتحرير فلسطين بالشراكة مع مصر!.
    بالتالي لا بد من الانتباه لما هو أقل أهمية من هذا المهم ومن ذلك - حتى لا نطيل في الإسهاب - سيطرة الأقليات والتغريبيين على الإعلام!.

    والأمر ليس ضروريا أن يكون يتم جراء إهمال وليس ضروريا أن يقع كخطأ متعمد، لكن الناس بحسها الفطري تلمس مثلا أن كثيرا من وسائل (إعلامنا) التي نحسبها لنا وواجبها العمل لصالح الأمة تؤدي أحيانا كثيرة الغرض المعاكس مما ينطبق على قناة مهمة جدا بل ورئيسية وهي قناة العربية!.

    وقبل المضي جديا بهذا الحديث الذي لا شك سيثير ردود فعل كثيرة أود أن ألفت إلى أنه رأيي الشخصي المحض.

    وألفت ثانيا من باب الدعابة إلى تطور كبير حصل على قناة العربية بحصول بعض الاحتشام على المظهر العام لمذيعاتها سترهن الله.

    وفي الشق المهم وبعيدا عن الدعابات فإنه وبعد تحرير الكويت والمحرقة البشعة التي تعرض لها جيش العراق المنسحب على أيدي القوات الأميركية كان تم تأمين إسرائيل لسنوات عدة، وضمنت الخلافات التي نشبت في المنطقة بين الأشقاء هذا التأمين لعقود طويلة، فجرح الغزو والخيانات المترافقة، والحسابات الخاطئة البريئة ‏وغير البريئة عمقت الخلافات بين الدول العربية، وأطاحت بالثقة بين الأنظمة.

    والأنظمة لم تكن عميلة كما يشيع كل عدو للأمة، وكل صاحب مصلحة أو سعي وراء الحكم، من اليساريين والقوميين والإخوان المسلمين، وهي لو كانت عميلة لما احتاجوا إلى التحريش بينهم ولكنها المخططات، فمعظم الأنظمة ‏ولاسيما الوراثية تحظى بشرعيات أقدم من الاستعمارين الأوروبي والعثماني.

    أمريكا هنا أمنت إسرائيل، وتم ذلك بقيادة الجمهوري (جورج بوش الأب) لكن الديمقراطيين كانوا يتربصون بجني ثمرات حروب الجمهوريين، وهذه عادة تاريخية لهم بعد كل حرب فتم منع بوش عن ولاية ثانية لبدء مرحلة أخرى لحرب الشرق الأوسط.

    ‏الديمقراطيون لم يعجبهم خضوع الجمهوريين لرغبة وضغط الملك فهد بن عبد العزيز بعدم إسقاط نظام صدام، والاكتفاء بتحرير الكويت فقط، وهذا الأمر يتجاهله أصحاب الأهداف المغرضة بل ويعكسونه بإشاعة أن السعودية هي من دمر العراق وليس مغامرات صدام!.

    بعد بوش بدأ الديمقراطيون ذوو الشكل الأملس ظاهريا ‏و(الألعن) باطنيا بالتحرش بشعوب أمة الإسلام لأجل خطة مستقبلية شهدناها.. وأفسحوا وفرشوا الأرضية للحركات التي تولت شحن الشعوب المسلمة على أمريكا فكان تنظيم القاعدة، ثم تم ضرب الصومال، ونتذكر ملحمة سحل الجندي الأمريكي فيها عام 1994، وتم ضرب مصنع الأدوية السوداني عام 96.

    وكذا وقعت سياسة الاحتواء المزدوج ضد العراق وإيران جنبا إلى جنب، مع اهتمام إكبر بحل معقد متدرج وفلسفي للقضية الفلسطينية أعاد تسويق إسرائيل عبر تحفيز دول بعيدة على التعامل معها مثل قطر وسلطنة عمان وموريتانيا وغيرها في نطاق المفاوضات (المتعددة).

    حدث كل هذا في عهد بيل كلنتون الذي فاز بولاية ثانية بعد (فضيحة مونيكا).

    هنا بدأت ردود الفعل في ظل ضعف الحكومات لدى المسلمين، فاستغلها دعاة الجهاد الجدد العاملين خارج سيطرة الحكومات، وبدأت أفكار التكفير للحكومات والمجتمعات بالانتشار
    دون أن يتنبه أحد لذلك!.

    وكان أصحاب المصالح التكفيرية ينتظرون أن يشن الغرب حروبا على الأنظمة لتحدث الفوضى ويصل أصحاب الأجندات الخفية إلى أهدافهم، وكان على رأس هؤلاء أصحاب المشروع الفارسي الشيعي عبر اختراقات كثيرة أنجزوها مستغلين الانشقاق الذي أحدث الخلاف مع (عراق صدام حسين)!.

    وما أن عاد الجمهوريون بانتخاب بوش الابن حتى أثمرت سياسة إطلاق التكفيريين واستفزاز المسلمين فجاءت الضربة في العمق الأميركي عبر هجمات 11 سبتمبر، فوقع الشرخ بين الأنظمة في الخليج وبين الغرب لأجل أصحاب الأجندات في المنطقة وهم إيران والإخوان وقطر، حيث الجزيرة أتمت عامها الرابع!.

    هنا بدأ انتقام الثور الأمريكي الهائج، فتوجه لمناطق تجمع ذوي الفكر الجهادي فضرب أفغانستان واحتلها.. لكن شهيته ظلت مفتوحة إذ صار عدوه الآن هو الإسلام السني تماما كما يريد الإيرانيون والإخوان (خارجيا) وكما يريد الديمقراطيون (داخليا)!.. فزاد على أفغانستان انطلاقا من باكستان (الدولة النووية السنية الوحيدة) العراق!.

    ثم إنه أمعن فوق ذلك بالتدخل بالشؤون الداخلية، وبكل وقاحة وكان الهدف الأكبر هو السعودية لأنها الهدف الرئيسي الذي يريده الإيرانيون والإخوان رغم اختلاف غاية كل منهم، فالإيرانيون يستخدمون الإخوان وهم المستفيدون، أما الإخوان فيحلمون بالحكم، وكأن الإيرانيين في حال وصول الإخوان إلى السلطة سيدعوهم وشأنهم!.

    ‏لكن السعودية بلد الحرمين وأعرق أسرة عربية حاكمة مستقرة وأكبر بلد عربي على طاولة المجتمع الدولي تبقى هدف هؤلاء الأول لأن سقوط السعودية بأي يد وجعلها حاضنة لهؤلاء يكسبهم شرعية إسلامية لدى العوام يفتقدونها في ملاطمهم وملاذاتهم البعيدة عن الكعبة قبلة المسلمين ورمز عزتهم وعبوديتهم.

    هي إذن حرب شاملة تستهدف الأمة ما يلزم لها ومعها استخدام كل الأدوات ومنها الإعلام فيكون طاهرا صافيا مخلصا ولا تشوبه شائبة!.

    لكن ما لم يكن بحسبان المراقب هو وضع قديم معتاد أن الليبراليين متغلغلون في الإعلام بالذات، ووصل بعضهم لمواقع مهمة في اتخاذ القرار، ومع حكومات ضعيفة أسقط ‏في يدها بعد 11 سبتمبر فاستغل هؤلاء الوضع لبث أفكارهم الليبرالية بديلا عن الإسلامية، بل ووصل الأمر بالليبراليين في السعودية والخليج العربي إلى الاستقواء بأمريكا الهائجة للضغط على الحكومة السعودية!.

    حينها أصبحت الحكومة السعودية بين جملة نيران: نار الضغوط الأمريكية ونار الليبرال ‏ونار الإرهابيين والمتأثرين بفكرهم، وساعد ذلك تشوش الرأي العام بسبب قناة الجزيرة ومواقع الانترنت المنفلت عن كل رقابة!.

    هنا فكرت السعودية بإنشاء قناة تساعدها على الخروج من المأزق ولمواجهة صخب الجزيرة التي كان هدفها الأول الساحة السعودية لدرجة أنها أطلقت طوفانا من المعارضين السعوديين ‏لكن للأسف تم تسليم القناة الجديدة (العربية) لطابور الليبرال الذي أخذ يؤكد ما يذهب إليه من يشوه صور السعودية غربا وشرقا!.

    ولأن الليبرال بلا مشروع قومي ووطني، عدا اهتمامهم بإسقاط الصبغة الدينية عن المجتمع حتى ولو وصل بهم الأمر إلى التعامل مع من يريد إسقاط أي نظام يهتم بالدين ‏أو القيم الأصيلة، فالثوب الشرقي ليس جميلا في نظر الليبرالي لأنه إمعة للمظهر الغربي لا جوهره.

    لكن الغريب هو أن الليبرالي هذا يرى المظهر المتخلف لإيران جميلا والسبب طبعا لأنه ضد الدين الحق ليس إلا، فالليبرالي همه كأس وغانية والتشيع يوفره حتى لو كانت العباءة دينية!.

    التغلغل الإيراني

    ‏هنا تغلغل أتباع المشروع الإيراني داخل قناة العربية والمجموعة القريبة منها.. العربية للناحية الفكرية.. والمجموعة الأخرى للناحية الاجتماعية السلوكية، فتم التركيز عليهما للإسراع بالسيطرة على الشكل العام للمجتمع السعودي في غفلة من النخبة والمثقفين كالعادة لأن النخبة لا يعول عليهم مهما كانت الشهادات لديهم عدا قلة لا تُرى!.

    وكانت العقدة الخليجية بأن الإعلام لا يقوده للنجاح إلا لبنانيون أو عراقيون أو من عرب الشمال كأقل تقدير.

    ولأن الليبرال مطايا للإيرانيين فقد امتطوهم في قناة العربية بثياب شيعية عراقية ولبنانية شيعية أو مارونية لا يهمها الدين السني!.

    وسنضرب بعض الأمثلة!

    * برنامج صناعة الموت
    هدفه رمي صفة الإجرام على السنة فقط وتبرئة الشيعة وقلب الحقائق في ذلك وهدف البرنامج بعيد المدى هو ترسيخ أن الإرهاب سني فقط.

    ولو قارنا الإرهابين السني والشيعي فلن نجد في الأول سوى القتل ولن نجد لديه ما لدى الإرهاب الشيعي من نحر للأطفال أمام والديهم واغتصاب للنساء الكبيرات والصغيرات ثم القتل، وتعذيب بشع ينتهي بقتل أبشع.. حرق ودريلات وتقطيع قبل الموت وتمثيل الخ.

    هذه الأشياء صورتها العربية بأنها لاشيء مقابل تفجير هنا وهناك أو ردة فعل على ما يقوم به الشيعة من مذابح تستبيح مدنا مليونية في العراق وسورية، فتتكلم العربية عن ردة الفعل وتنسى الفعل أو الأفعال.

    ثم لم تكتفِ العربية بذلك بل رسخت بأن القادة المجرمين الشيعة هم الأبطال!.

    كان هذا مما لا يمكن أن يغتفر لهذه القناة التي للأسف الشديد ورغم غضب شعبي عارم لم تقدم الاعتذار على هذه الجريمة الشنعاء والبذيئة والمنحطة والتي مرت على المسؤولين وهم بلهاء بالمطلق.

    نحن هنا نتكلم عن برنامج (الشاطر حسن) هذا القزم الإيراني المجرم العميل الذي قاد أقذر الحروب ضد أهل السنة في سورية فدمر مدنهم واستباح مساجدهم وذبح أطفالهم ونساءهم في عدوان همجي بربري فاق كل عدوان في التاريخ.. فإذا بقناة العربية تظهره لمشاهدها المخدوع بطلا ومناضلا وحرا!.

    * برنامج الإسلام والغرب
    وهنا صور واضحة لسيطرة الفكر الشيعي الفارسي في قناة العربية لخدمة مشروعه عن طريق ليبراليي السعودية، ويتضح ذلك في الإعداد للبرامج وتحرير الأخبار، وخير مثال برنامج الإسلام والغرب كالحلقة المبثوثة في 24 رمضان 1431 للهجرة والتي طعنت في شرعية الدولة السعودية وأنها دولة خوارج!.

    وقد أقيل مديرها لكنه أعيد في اليوم التالي، مما يدل على قوة هذا التيار!.

    وقد شُحن المجتمع كما قلنا ببرنامج صناعة الموت الذي لم يتكلم عن الإرهاب الإيراني فجعله ردة فعل على الإرهاب السني بينما هو العكس.

    لقد أسفر هذا الدور (العبيط) لقناة العربية عن تغذية العقل الجمعي العربي بشعور أن حكومة السعودية هي الداعمة للإرهاب الإعلامي الليبرالي، الذي بدوره يبرر للإرهاب الإيراني، وبنظرة سريعة للجزء المجتمعي فإننا نقف أمام مسلسلات في المجموعة وقنواتها تقوم بدورها في تفريغ الساحة من القيم ‏الأصيلة وأولها الدين ليكون هناك طائفة فارغة في المجتمع العربي تتقبل الدين الإيراني والرأي الإيراني وعلى أقل تقدير تكون الفئة المحايدة حال الصراع فئة واسعة، ومن الأمثلة على ذلك مسلسل (سيلفي) الذي خص السنة بالإرهاب وبرأ الشيعة من كل انحراف!.

    وقد تجلى في هذا المسلسل استخدام النوع الأول للنوع الثاني واستغبائه لتبرير أهدافه!.

    أما مخرج المسلسل فهو شيعي متظاهر بالليبرالية.. وللعلم فقد كان اسم المسلسل (سلفي) بدون ياء، وتعرفون الغرض من التسمية، وربما حذفت الياء مستقبلا والتي وضعت تقية وخوفا من الافتضاح!.

    ولا ننسى (غرابيب سود) و (الحور العين) وكأن إيران ودينها الطائفي الذي يمارس أتباعه القتل عبر ثلاثين ميليشيا هائجة بريئون من الإرهاب بينما تم ترسيخ أن الإرهاب لم يكن إلا سنيا وأنه يجب علينا تكذيب ما يجري على الأرض ونصدق فقط ما تبثه القنوات المختطفة!.

    ومما لا نستبعده عن هذا السياق الذي يهيمن فيه الفكر الباطني الموالي لإيران هو أن نقرأ مقالا في خضم قضية جمال خاشقجي والذي هدد كاتبه أمريكا بأن السعودية لديها خيار التحالف مع إيران!.

    وهذا الكلام ومضامينه وتلميحاته وتصريحاته لا تخدم إلا إيران وسمعة إيران ومع تقدير حسن نيته.

    باختصار قناة العربية لم تكن سعودية في أي برنامج من برامجها لكن للحق والإنصاف فإنها أدت خدمات مهمة لصالح إيران بكثير من أخبارها وبرامجها.

    وهكذا فإن إصلاحها لا يتم بتغيير المدير وحسب بل معه معدو الأخبار والتقارير ويجب أن يكون هؤلاء من ذوي العقول الاستراتيجية الذكية، وأرشح لأن تتلمذ مجموعة من المحررين ‏على يد الأستاذ عضوان الأحمري وغيره من الوجوه التي أبرزتها لنا أزمة جمال خاشقجي ويتم توظيفهم في القناة بشرط ألا يتم دفنهم فيها فهم خير ناطق بلسان السعودية الآن.

    أما إذا استحال إصلاح العربية فتحويلها لقناة رقص وغناء وترفيه أفضل!.

    أما (العربية نت) فلفترة طويلة ظل مديرا لها وموجها لأخبارها الشيعي العراقي الإيراني المدعو إنعام محمد علي الذي احتفلت به العربية بعد انتهاء عقده، فأخذ يقدس علي خامنئي ويسب في السعودية الآن.. ومثله كثير!.

    *يوسف علاونه*
    twitter: @ysf_alawneh
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام