• نيودلهي تختنق جراء حرق الحقول وتفاقم أزمة الضباب الدخاني


    المصور: ماني شارما

    A G - AFP يشعل المزارع الهندي هاربال سينغ عود ثقاب قبل أن يشاهد حقوله تحترق وتتصاعد منها سحب الدخان في اتجاه نيودلهي، إحدى أكثر المدن تلوثا في العالم، حيث تشتد سماكة الضباب الدخاني مجددا.
    ففي شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل سنة، يبلغ تلوث الهواء في شمال الهند مستويات قصوى يصعب تخيلها في أكثرية مناطق العالم الأخرى. وتضطر المدارس لإغلاق أبوابها كما ترزح المستشفيات تحت سيل المصابين بالأمراض التنفسية.
    ومع حلول الشتاء، يحبس الهواء البارد انبعاثات السيارات والمصانع وغبار ورش الإنشاءات ما يؤدي إلى مزيج من المواد الملوثة التي تصبح أعلى بثلاثين مرة من المعدلات المسموح بها بحسب معايير منظمة الصحة العالمية.
    وتتفاقم هذه الأزمة جراء عمليات حرق الأراضي من جانب مزارعين على غرار هاربال سينغ، إذ يُقبل هؤلاء على تطهير حقولهم من القش لتسريع الاستعدادات لموسم حصاد القمح المقبل.
    وتبدو السلطات عاجزة عن معالجة هذا الوضع في ظل الخيارات المحدودة أمام المزارعين لإنجاز موسم الحصاد الشتوي.
    ويعي سينغ المقيم في قرية ايشارغاره بولاية هاريانا على بعد حوالى 120 كيلومترا شمال غرب العاصمة أن حرق الحقول مخالف للقانون كما أن الدخان المنبعث يفاقم معاناة ملايين الأشخاص في نيودلهي ومناطق أخرى جراء تلوث الهواء.
    غير أن هذا المزارع البالغ 65 عاما يقول لوكالة فرانس برس "لا حل آخر لدينا سوى حرق القش".
    - أهمية التثقيف -
    ويوضح سينغ على وقع قرقعة القش المحترق "نعلم أن الدخان يلوث الهواء. لكن هذه الطريقة الأسهل والأقل كلفة للتخلص من بقايا المحاصيل".
    وقد بلغ الدخان المتأتي من عمليات الحرق الزراعية نيودلهي حاملا معه سحابة رمادية باتت مألوفة في العاصمة الهندية التي تحاول سلطاتها تفادي تسجيل سحابة ضباب دخاني قياسية للسنة الثالثة على التوالي.
    وقد اعتمدت السلطات تدابير رادعة بينها فرض غرامة قدرها 200 دولار للمزارعين الذين ينتهكون القانون، لكن لا يبدو أنها حققت مبتغاها.
    وعلى الصور الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، يمكن رؤية أعداد لا تحصى من الحرائق في ولايتي هاريانا وبنجاب الغنيتين بالقمح قرب نيودلهي.
    ويشير س. نارايانان العضو في لجنة مراقبة التلوث إلى أن قيمة الغرامات التي تم توزيعها تبلغ 300 ألف روبية (4100 دولار)، لافتا إلى أن الحرائق تراجعت بنسبة 40 % في بعض المناطق.
    ويقول لوكالة فرانس برس "هدفنا لا يقتصر على الردع بل نريد تثقيف المزارعين".
    ويشكّل المزارعون قوة انتخابية كبيرة في الولايات الريفية ويحاول السياسيون تاليا كسب تأييدهم متفادين معاكستهم.
    ولم تلق الجهود المبذولة لإقناع القرويين الذين يعيش كثر منهم تحت خط الفقر، باعتماد أساليب أخرى أي تجاوب من المعنيين.
    ويظهر هؤلاء ترددا في اعتماد آلات تعرف باسم "هابي سيدرز" تسمح بزرع القمح من دون التخلص من بقايا المحاصيل السابقة. وتبلغ كلفة الآلة الواحدة 150 ألف روبية (2040 دولارا) على الأقل.
    وتقدم الحكومة الدعم من خلال تغطية 50 % من تكلفة هذه الآلات للأفراد و80 % للمجموعات لتشجيع المزارعين على استخدامها.
    - المزارعون كبش فداء -
    ويقول كارنايل سينغ (60 عاما)، "نحن واقعون أصلا تحت مديونية. لا نستطيع تكبد نفقات شراء هذه الآلات حتى مع المساعدات الحكومية".
    وقد ساهمت الحملات الترويجية عبر قنوات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي فضلا عن الاجتماعات القروية في تغيير المعطيات بشكل طفيف.
    وتشير نقابات المزارعين النافذة في البلاد إلى أن تدابير حكومية كثيرة بينها تشجيع المزارعين على بيع القش للمصانع، لا تأخذ في الاعتبار التكاليف الإضافية المفروضة على العائلات القروية الفقيرة.
    ويقول سوشا سينغ من اتحاد "بهارتيا كيسان" الزراعي "من سيدفع ثمن نقل القش؟ المزارعون أيضا قلقون إزاء التلوث لكن ليس في يدهم حيلة".
    ويسود شعور في أوساط المزارعين أنهم يستخدمون ككبش فداء لحل المشكلات الحالية في المدن الهندية التي تنمو بشكل سريع وفوضوي.
    وفي أيار/مايو، حلت 14 مدينة هندية ضمن تصنيف وضعته منظمة الصحة العالمية للمدن التي تعاني أعلى مستويات لتلوث الهواء.
    ويوضح سوشا سينغ "المزارعون يُحمَّلون مسؤولية التلوث لكن أحدا لا يتطرق إلى دور المصانع والسيارات والحافلات وهي المسؤول الرئيسي".
    ويبدو البعض مصمما على المضيّ في خياراته. ويقول هاربال سينغ "نحن أهداف سهلة. سنستمر في حرق الحقول ولتفعل الحكومة ما تشاء".
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام