• في حي عشوائي بالقاهرة مدرسة تواصل مسيرة الأخت إيمانويل


    المصور: محمد الشاهد

    A G - AFP وسط أزقة ترابية ضيقة تغطيها القمامة، تحاول مدرسة المحبة التي أسستها الأخت إيمانويل في منطقة عشوائية بالقاهرة أن تنقذ بضعة آلاف من الأطفال سنويا من الأمية والفقر بعد عشر سنوات على وفاة الراهبة الفرنسية.
    في حي الزبالين بمنطقة عزبة النخل بشمال شرق العاصمة المصرية حيث غالبية السكان مسيحيين، يدوي صوت التلاميذ بين الجدران الأربعة لساحة المدرسة النظيفة حيث يمضون بضع ساعات يوميا بعيدا عن مساكنهم المتواضعة المبنية من الطين وأكياس القمامة التي يجمعها أهاليهم من شوارع القاهرة.
    وأسست الأخت إيمانويل مدرسة المحبة عام 1988، وهي تتسع اليوم لثلاثة آلاف تلميذ وتلميذة تراوح أعمارهم بين اربع سنوات و15 عاما، بحسب مديرتها التي شاركت في تأسيسها الأخت دميانا. وتمثل المدرسة نقطة في بحر العاصمة المصرية التي تأوي 20 مليون شخص.
    في مكتبها حيث علقت صورة كبيرة للأخت إيمانويل وعلم مصر، تتذكر الراهبة المصرية ذات الرداء وغطاء الرأس الرماديين، أنها "كانت تجوب الحي مع الأخت إيمانويل لندعو الناس الى أن يرسلوا أبناءهم الى المدرسة".
    وعاشت الأخت إمانويل الى جوار الزبالين الذين يجمعون القمامة من مناطق العاصمة المصرية المختلفة بوسائل بدائية مثل العربات الخشبية التي يجرها حمار. ويقوم الزبالون بعد ذلك بفرز القمامة في أحواش مملوكة لأغنياء.
    - كانت تعيش بينهم -
    وتقول الأخت دميانا إن "الناس يقدرونها (..) كانت تعيش بينهم ومثلهم تماما في ظروف صعبة مع الرائحة الكريهة والأمراض".

    المصور: محمد الشاهد

    وتعترف الأخت دميانا أنها كانت هي نفسها تجد صعوبة في التكيف مع هذه البيئة.
    اليوم، بعد عشر سنوات على رحيل الأخت إيمانويل وعشرين عاما على مغادرتها مصر، ما زال الزبالون يقطنون عزبة النخل. وتنتشر في أزقة الحي صور العذراء مريم وبابا الأقباط السابق شنوده الثالث. أما صورة الأخت إيمانويل
    فيمكن رؤيتها معلقة داخل خزانة زجاجية في ملعب المدرسة.
    وتقول ميرفت حزقيال، وهي ابنة أول حارس للمدرسة حيث تعلمت، "كنا نعمل وننام هنا ونشعر كأننا بنينا المدرسة طوبة طوبة".
    وأصبحت ميرفت الآن في الثالثة والثلاثين من عمرها وتعمل مدرسة رسم في المدرسة التي تخرجت منها.
    ولكن مهمة المدرسة باتت صعبة في مصر التي تعاني اليوم من أزمة اقتصادية.
    وتلاحظ الأخت دميانا أن "كل شيء أصبح باهظ الثمن وأن الناس مضغوطون". وتتحدث عن أطفال يعانون من سوء التغذية وأهالي يجدون صعوبة في توفير مصاريف الملابس والأدوات المدرسية.
    ومنذ أن قرّرت مصر في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 تحرير سعر عملتها، فقدت العملة أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار وارتفعت نسب التضخم بشكل كبير. وبدأت الحكومة المصرية برنامجا إصلاحيا حصلت بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولي مقابل خفض كبير في الدعم الحكومي للسلع والخدمات.
    وبحسب الاحصاءات الرسمية التي ينظر اليها على أنها أدنى من الأرقام الحقيقية، فإن 27,8% من المصريين كانوا يعيشون تحت خط الفقر عام 2015. ولم يصدر أي إحصاء بعد تحرير سعر صرف الجنيه عام 2016.
    في مدرسة المحبة، يدفع الأهالي المصاريف (3000 آلاف جنيه أو حوالى 167 دولارا) كلها أو جزء منها، بحسب مستوى دخلهم. والأكثر فقرا يعفون تماما من الدفع.
    وتمول المدرسة بمساهمات الأسر وبالتبرعات الفردية وكذلك بمساعدة من جمعية الأخت إيمانويل (أسماييه، وهي جمعية فرنسية لها فروع في دول عدة) التي تتولى تعليم نحو مئتي تمليذ. وتؤكد الجمعية أنها تساعد قرابة 3500 تلميذ في أحياء شعبية مختلفة في القاهرة.
    وتتمتع مدرسة المحبة كذلك ببعض الإعفاءات الضريبية.
    - سيطرة الدولة -
    وتقول صباح صبحي، وهي مدرسة متحمسة تعمل في مدرسة المحبة منذ تأسيسها، إن "التمويل هو التحدي الأول بالنسبة لنا".
    وتتابع "الحياة أصبحت باهظة التكاليف والعائلات تضحي من أجل تعليم أبنائها".
    كما تشير الى الوضع الأمني، معتبرة أن "الخوف هو التحدي الثاني (...)، الخوف من المستقبل، مما نتعرض له".
    واضطرت المدرسة لتقديم "دعم نفسي" لتلاميذ تعرضوا لصدمات نتيجة تزايد العنف في مصر منذ 2011 مثل التدخل الدامي للجيش في أيلول/سبتمبر من ذلك العام ضد متظاهرين أقباط واعتداءات ضد المسيحيين تبناها تنظيم الدولة الاسلامية.
    وتندرج جمعية "أسماييه" ضمن الجمعيات الأهلية المصرية التي تثير شكوك نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بسبب تلقيها تمويلا أجنبيا.
    ويفرض قانون مثير للجدل صدر في العام 2017 رقابة شديدة من الدولة على أنشطة الجمعيات الأهلية وعلى تمويلها، ولكنه لا ينطبق على الجمعيات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، ومنها "أسماييه".
    ويقول ممثل الجمعية في مصر شريف عبد العزيز "نحن قلقون جدا من تطبيق هذا القانون".
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام