• كشف الغشاوة عن عيون تركيا (2)


    بقلم : يوسف علاونة كما أشرت في المقال السابق وبنفس العنوان، أجزم أن محاولة الانقلاب التي قامت بها فئة من الجيش التركي في يوليو 2016م كانت ضمن جدول الاتفاق السري بين الإخوان المسلمين والحكومة الأمريكية في عهد أوباما، وأن ما تظاهر به الإخوان حينها من وقوف مع تركيا كان بسبب موقفها المؤيد لهم وللثورات العربية التي قامت، ولأن الإخوان قبل محاولة الانقلاب كانوا انشغلوا في حصد ثورات الشعوب تلك للسيطرة على الحكم فيها، وبما أن الفشل ديدنهم فإنهم لم يستطيعوا المحافظة حتى على السلطة التي حصلوا عليها، بل إنهم حينما كان الحكم تحت أيديهم نزلوا إلى الشوارع وكأنهم معارضة، ما يثبت أنهم ليسوا أهل ولاية وسلطة وإنما أهل ثورات وتأليب كعادة وطبع الخوارج!.

    ‏أما المواجهة وتحمل المسؤولية فليسوا أكفاء لذلك، ومع ما انبهروا به فقد انشغلوا عما كان مخططا له في تركيا في حقبة 2011م، وكان لا بد لهم من الاحتفاظ بالنصر الإردوغاني، مع أنهم كانوا سيحتفلون فيما لو نجح انقلاب فتح الله غولن أيضا فالأمر سيان عندهم، لأن عقيدتهم السياسية يمكن تلخيصها بمثل شعبي شائع (من يتزوج أمي أقول له يا عمي)!.

    ‏ربما يقول قائل بأن حزب التنمية والعدالة إخواني مع الإخوان، لكن هذا خطأ، فمع أن المنهجين متشابهان لكن الإسلاميين في تركيا أقدم من الإخوان المسلمين (العرب)، ومن يريد أن يتثقف في ذلك فليبحث عن سيرة بديع الزمان سعيد النورسي مؤسس الحركة الإسلامية لمناهضة العلمانية، فقد تأسست قبل الإخوان، أما تلاحمهم الحالي فلأجل المصالح فقط، لأن الأتراك في الأخير يرون أنهم الأحق بقيادة الإسلام السني لا السعودية ولا العرب!.

    كما يرى الإخوان في الأتراك بوتقة تصلح للدوران فيها، أو ساقية تعودوا أن يدوروا حولها كتعود الدواب التي تقوم بتلك الوظيفة، متناسين أن التطور مطلوب حتى لو كانت الخلافة التي ألغاها أتاتورك قد تواصى عليها سلاطين بني عثمان كما تواصى عليها المماليك والسلاجقة من قبلهم، لأن الإمبراطورية العثمانية لم تكن خلافة بل سلطنة، وهم يتسمون بذلك، أما الخلافة فلم تصح ولا تصح إلا للعرب!.

    ‏وعودة لما سبق، فتأكدوا أن تنظيم الإخوان المسلمين أقرب إلى حركة فتح الله غولن العدوة اللدودة لحزب التنمية والعدالة، ولكن بعد فشل الانقلاب كان من مصلحة الإخوان تأكيد تقاربهم مع إردوغان وحزبه، الذي له أحلام وآمال يرغب في تحقيقها عبر هذا التحالف الغبي والهش في نفس الوقت.

    ‏وما أكاد أجزم به ولأسباب كثيرة هو أن إردوغان وحزبه لا يدركون مدى التماهي والتقارب الإخواني مع حركة غولن، ومن الأسباب التي تؤدي للجزم بذلك، الضعف الثقافي التركي بحال جماعة الإخوان بسبب اللغة وبسبب البيئة، فما يعرفه الأتراك عن الثقافة العربية شكلي لا يغوص في العمق، كما أن النفسية التركية المتعالية ثقافيا لا يمكن أن تستوعب أنها غير مسيطرة على من يتقرب إليها، وتعتقد أنها ممسكة بحبل القياد!.

    ‏ودعونا نرجع قليلا للوراء حينما تم عقد مؤتمر علماء المسلمين في اسطنبول في عز أيامهم حينما التفوا على ثورات الربيع، وفي الحقيقة هو مؤتمر علماء الإخوان مع من استغفلوهم من أصحاب الجماهيرية ممن ليسوا في الجماعة ولكنهم مهتمون بشأن الأمة، وقد استخدمهم الإخوان لتكثير العدد وتهويله في نظر المراقبين والجماهير!.. هذا المؤتمر تحدثوا فيه وأسهبوا في وصف تركيا بدولة الإسلام، ودولة الخلافة، وأشادوا بأردوغان واعتبروه (خليفة) للمسلمين و (إمام) لا مثيل له، مما أحرج حكومة تركيا العلمانية أمام المعارضة الشرسة علمانيا وأمام الاتحاد الأوروبي، فخرج وزير الداخلية التركي ليقضي على حماسة الإخوان ويصرح بأن تركيا دولة علمانية وليست إسلامية، بل إن هذا الوزير طلب من المؤتمرين عدم إحراج تركيا!.

    ‏هنا كان يفترض أن يسقط في أيدي الإخوان فيكفوا عن هذا الحماس، لكنهم لا زالوا مصرين على تولية تركي شأن الأمة، ولربما ـ كما تظهر تحالفاتهم ـ فإنهم إن لم يجدوا تركيا للخلافة والإمامة فسوف يبحثون عن خليفة وإمام (شيعي) من إيران!.

    إن المتأمل للهجوم الإخواني على ياسين أقطاي المتحدث الرسمي باسم الحزب الحاكم لأنه غيّر تصريحاته، حيث أكد أن السعودية لا علاقة لها بقضية جمال خاشقجي، وأن الحكومة العميقة قد يكون لها يد في الموضوع، وأنه يتراجع عما قاله سابقا، يدرك أن الإخوان فعلا يريدون من حكومة أردوغان المضي معهم في كذبهم وأوهامهم وإلا لسلطوا عليها إعلامهم!.

    ‏إن غباء هذا التهديد كونه ينسى أن قنواتهم - غير الجزيرة - تبث من تركيا.. وأقصد هنا كلا من (مكملين) و (الشرق).

    ‏إن تركيا عندما تدرك الرابط بين حركة فتح الله غولن والإخوان ستعرف أين مصلحتها، وتدرك الفرق بينه وبين من لازال يتحمل سياساتها غير المنطقية، وأقصد السعودية.

    تبدو تركيا غير عارفة بمصلحتها، ولكن إذا طفح الكيل فلا تلوم الحكومة التركية إلا نفسها جراء جعلها بلادها وكرا للمتآمرين على غيرها من الدول البريئة، المتطلعة إلى صداقة جدية معها.

    ‏فهل ستبادر تركيا بإزالة الغشاوة، أو أن المكابرة ستقضي على آمال المتطلعين للإصلاح والصلاح من أبناء الشعب التركي، الذي ما كاد يتحرر من جبروت العسكر حتى وقع تحت تطلعات ذوي أحلام بائدة لا طائل من ورائها.

    ‏إن الغرور بنجاح قصير يصيب عادة بالهلاك.. والوصول إلى واقع مزدهر مسالم لا يمكن أن يتحقق عبر ملحنين كاذبين لنهم أحلام امبراطورية بائدة، يدفعوه ثمنا لاحتضان تركيا لهم.. وإلا فالعرب هم الأحق بهذا، والعربي الذي يقول كلاما آخر منافق وكاذب!.

    *يوسف علاونه*
    twitter: @ysf_alawneh
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام