• إدفع يا ترامب


    بقلم : فهد السديري سمعت كغيري التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي قبل أيام أمام أحد التجمعات الانتخابية للحزب الجمهوري الأمريكي قبل انتخابات الكونغرس القادمة في نوفمبر .. والذي ذكر فيه انه اتصل على الملك سلمان وقال له ان أمريكا تحمي المملكة وانه لولا تلك الحماية لما صمدنا لأسبوعين وقال ان علينا ان نصرف اموالنا لجيشنا.

    وقبل هذا التصريح بأيام وفي مناسبة أخرى انتخابية لحزبه قال ان بلاده تحمي (اليابان وكوريا الجنوبية والسعودية) وهي بلدان غنية عليها ان تدفع لنا.

    ولأخذ ما قاله الرئيس الأمريكي ترامب على محمل الجد علينا ان نفهم أولاً عدة أمور مهمة , تبدأ بشخصية الرئيس ونفسيته واسلوبه خلال مسيرته التجارية والسياسية لفهم سر سيل تلك التصاريح التي لا تتوقف عند دول بعينها بل وتأذى منها الداخل الأمريكي قبل الجميع. ثم علينا فهم ما هو الهدف من مثل تلك التصاريح بشكل عام , ثم علينا ان نعرف ما يزعجه ويجعله يهذر بمثل هذه التصاريح.

    وبالمناسبة , لم تكن السعودية واليابان وكوريا الجنوبية هي الدول الوحيدة التي سبق لترامب ان قال ان عليها ان تدفع مقابل الحماية الامريكية , فقد سبقنا لمثل هذا الكلام بالنص كل من المانيا وفرنسا بل وحلف الناتو كله.

    وقبل أن أبدأ بتفنيد هذيان فخامته (وهو بالمناسبة من محبي الهذر الواجد) والتصحيح له والتطرق لما يزعجه منا ومن البلدان الغنية يجب أن أستعرض شخصيته ونفسيته ونشأته ومسيرته بشكل موجز لفهم هذه الشخصية المركبة النادرة التي تصحوا مبكراً لتشتم أحد ما في تويتر ربما يكون قد حلم به.

    ولد ترامب لتاجر عقارات شعبي في ذا برونكس نيويورك يدعى فريد ترامب ونشأ مع اخوين واخت أحدهما مات متأثراُ بإدمانه للكحول "ولعل هذا سبب امتناع ترامب عن شرب الخمر" .

    وعندما بلغ الثالثة عشر وضعه ابوه فريد في مدرسة عسكرية داخلية لخمس سنوات عندما لاحظ عليه ضرورة أن يكون منضبطاً.

    كبر دونالد وتزوج ثلاث مرات كلها من عارضات أزياء بداية بأم ايفانكا وأخويها مرورا بالعارضة مارلا وأخيراً بالعارضة ميلانيا.

    فتن ترامب منذ صغره بالبناء مقتدياً بأبيه فريد الرجل العصامي الذي وقف مع ابنه دائماً رغم الاحراجات الكثيرة التي تسبب له بها , ورغم هذا كان ترامب يزدري عمل ابيه صاحب بنايات البرونكس الشعبية ويطمح في وضع اسمه مع كبار العقاريين في المانهاتن "المنطقة الأرقى في نيويورك".

    فكانت بدايته الحقيقية عند الركود العقاري في نيويورك عند تقدمه لتجديد وتشغيل اهم فندق في نيويورك مقابل اعفاء ضريبي لمدة أربعين عام معتمداً على قروض كبيرة من البنوك , ومؤخرا فتحت السلطات تحقيق جديد عن تهربه من الضرائب عن أموال ورثها من ابيه قيل انها بلغت اربعمائة مليون دولار.

    وصفه الكثيرون من رجال الاعمال بالمحتال , فمن خلال مسيرته تجد في كل خطوة منها شكلاً من أشكال الاحتيال والابتزاز , حيث كان يدفع بمحاميه حينها "روي كوهين" او من يسمونه بمحامي الشيطان كونه كان محامياً للمافيا في نيويورك لابتزاز منافسيه واخصامه وتهديدهم بالمقاضاة وغيرها ان لزم الأمر.

    أعلن افلاسه عدة مرات نتاج عمليات تطوير عقاري فاشله أهمها مشروعه "تاج محل" نتيجة القروض الكبيرة وعدم قدرته على السداد وكذلك دخوله مجال صالات القمار التي أراد بها منافسة لاس فيغاس ولكنه خسر.

    اتجه للكتابة وألف كتابا اسمه فن الصفقة ووصف نفسه بأنه أفضل من يعقد الصفقات. وشارك في عدة برامج تلفزيونية واستضاف في مبناه بنيويورك مسابقات للمصارعة قبل ان ينتج لحسابه برنامجاً شهيرا اسمه المتدرب "ذا أبرنتس" فقط ليظل في الصورة.

    في اول مقابلة تلفزيونية له في التلفزيون الوطني وكانت مع رونا باريت في الثمانينات سألته سؤال مباشر: ماذا ستفعل إذا افلست وفقدت كل ثروتك؟ فأجاب: سأرشح نفسي للرئاسة!!

    كان متحفظاً حيال ترشيح نفسه للرئاسة في 2004 و2008 لكن لعل ما جعله متحمساً للرئاسة في 2016 هو كم الاهانات والسخرية التي تلقاها من الرئيس السابق باراك أوباما في حفل عشاء المراسلين في البيت الأبيض في ابريل 2011.

    هذه الاحداث الرئيسية في حياة هذا الرئيس السبعيني هي ما صنعت منه تلك الشخصية التصادمية المهذارة الاحتيالية الواقعة تحت ضغوط الداخل الامريكي من ملاحقات قضائية وتحقيقات فيدرالية وتهرب من الضرائب ووعود لم تنجز وانتخابات على الابواب.

    بعد فهم هذه التركيبة النفسية .. أعود لتفنيد تصاريحه وتصحيح معلوماتها .. ففيما يخص اليابان وكوريا الجنوبية فوضعها مختلف عن السعودية.

    فالتواجد الأمريكي في اليابان هو نتاج الحرب العالمية الثانية وبيرل هاربور وتداعياته وهو مضطر للتواجد عسكرياً فيها امام الصين وبالتالي سيحميها شاء ام ابى وببلاش.

    وكذلك تواجد قواته في كوريا الجنوبية هو نتاج للحرب الكورية في الخمسينات ولمواجهة الصين عن قرب وكذلك بحر الصين الجنوبي لذلك تواجده هناك هو مصلحة لبلاده في المقام الاول.

    أما السعودية فليس فيها قاعدة أمريكية واحدة ليدعي حمايتها , وحتى قواعده في الدول المجاورة ليست للحماية الفعلية بقدر ماهي للتواجد في منطقة استراتيجية ثم لحماية إسرائيل وشعب صديقه الشخصي نتينياهو قبل ان يصبح رئيساً.

    وبالمناسبة .. ما صرح به يؤكد ضمناً أن الجيش الأمريكي جاهز للإيجار دفاعياً كما كان للإيجار هجومياً , وهذا حدث في عهد سلفه أوباما عندما وجه ضربة أولى لدفاعات القذافي الجوية مدفوعة الأجر وسلم ليبيا بعدها للناتو ليعبث فيها ويدمرها.

    وخلاصة الموضوع بالنظر لطبيعة هذا الرجل وشخصيته المركبة ( رغم تفضيلي له على سابقه سيء الذكر اوباما ) أن ما صرح به الرئيس ترامب متفاخرا بخلاف انه غير صحيح من حيث المعلومه فهو قد اساء به من حيث لا يدري لجيش بلاده في المقام الأول واكد عليهم تهمة الارتزاق , وفي هذا إهانة للولايات المتحدة وجيشها لو كان يعي ما يقول.

    واذا كانت وعوده الانتخابية بتحسين الاقتصاد تسير ببطء ويريد تسريعها بخفض أسعار النفط وفض منظمة الأوبك فهذا الفكر عقيم .. لأن السعودية أولا ليست اكبر موردين الولايات المتحدة للنفط من جهة .. واذا كان يريد التخفيض للإضرار بفنزويلا فبإمكانه عمل قيود على المستوردين منها كما فعل مع ايران.

    والأهم من هذا كله .. ان المملكة العربية السعودية يحميها الله أولاً ثم شعبها ثم مليار مسلم تهفو قلوبهم اليها ويتجهون اليها في صلواتهم خمس مرات في اليوم .. لذلك لا نحتاج نصائحه فهو مجرد تاجر نشتري منه ما نريد بأموالنا فقط.

    ولهذا كله يا فخامة الرئيس .. نأمل منك اقتصار نصائحك وتصاريحك على شعبك فهم الأولى بتحمل فضائحك واحتيالك وحماقاتك اليومية , وان كان على أحدهم ان يدفع لأحد فهو بلا شك أنت من يجب عليه ذلك لحل مع الضرائب أولاً ثم حل مشكلتك مع الممثلة الإباحية ستورمي دانيلز لتسحب قضيتها من المحكمة وإيقاف نشر كتابها عن علاقتها الجنسية بك .

    ولو كنت محل فخامة الرئيس الأمريكي لتذكرت قبل اطلاق مثل هذا الهراء فضل المملكة على الاقتصاد الامريكي بحفاظها على استمرار بيع النفط بالدولار الأمريكي الغير مغطى بذهب أو غيره وعدم لجوئها لعملات أخرى كما يود ويتمنى كبار المنتجين والمستوردين.

    ولتذكرت أيضاً أن محامي الشيطان "روي كوهين" قد توفي وانتهى معه عصر الابتزاز الرخيص الغبي .. او على الاقل لم يعد صالحاً في كل زمان ومكان.

    • ملاحظة : كتبت هذا المقال قبل معرفتي برد سمو سيدي ولي العهد حفظه الله ورعاه الذي مثلنا جميعا برده عندما قال نيابة عنا وباختصار ما كان يجب ان يقال في مثل هذا الوضع .

    حفظ الله المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين وحكامها وشعبها من كل شر وسامحونا على الاطالة


    * بقلم: فهد السديري *
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام