• حركيون في مخيم سابق بجنوب فرنسا لم يعد لديهم سوى ذكرياتهم


    المصور: جورج غوبيه

    A G - AFP في مخيم بيا السابق بجنوب غرب فرنسا، وبعد خمسين عاما من "التجاهل" أو "النسيان"، لم يبق للحركيين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي في الجزائر سوى ذكرياتهم.
    وقال بيرتران هافي (54 عاما) إن "أقسى ما حدث لي في طفولتي كان أشجار السرو المحيطة مع أسلاك شائكة خلفها تماما.. أكثر ما كنت أفتقد إليه هو إمكانية الخروج". وخلال حديثه يشير إلى المنطقة المحيطة بالمخيم الذي أصبح اليوم على طرف طريق صغير وحقل للذرة وموقف للحافلات ونصب صغير تم تشييده في 2001.
    ولكل ذكرياته في "مركز استقبال العائدين من الجزائر" في بيا، الاسم الرسمي للمخيم، من الاستحمام مرة واحدة أسبوعيا في "يوم للرجال ويوم للنساء"، الى منع التجول عند الساعة 22,00 التي "تظهر بعدها الصراصير مجددا في الظلام" في الغرفة الوحيدة التي ينام فيها كل أفراد العائلة.
    وهناك كذلك المدرسة الابتدائية التي "يتخرجون منها متأخرين بسنوات عن +الآخرين+" وكيس الفحم الوحيد لكل عائلة شهريا... وقسوة الإدارة العسكرية.
    وما زال محمد بديع يشعر بالغضب عندما يتذكر الصفعة التي تلقتها من المدير والدته الأرملة وعجزها بينما كان في الحادية عشرة من عمره.. وكذلك البالغين الذين لا يشعرون بأي ثقة في أنفسهم وفي مكانهم" و"يحذرون بعضهم البعض من الحارس...".
    ولم يبق شيء تقريبا من هذا المخيم. فلا متحف تذكاري ولا آثار بل مساحة خضراء أدت الشمس إلى اصفرار عشبها، أرض لكرة القدم وقاعدة من الاسمنت كان يرفع عليها العلم، وعدد من البيوت الصغيرة المتواضعة التي بنيت في المكان الذي كانت يصطف فيه في الماضي على مساحة عشرة هكتارات، 22 كوخا سقفها من القماش أو الصفيح وضمت عددا من العائلات وصل في بعض الأحيان إلى 1300 أسرة.
    - "محتجزون" -
    المخيم الذي يبعد ثلاثة كيلومترات عن بيا واستقبل في الماضي فيتناميين من الهند الصينية ولاجئين اسبان، كان بعيدا عن كل شيء تقريبا. موقعه بعيد وغير واضح ولم يكن من الممكن الدخول إليه. كان ينبغي أن يترك الزوار هوياتهم الشخصية عند الدخول وعلى المقيمين فيه إبلاغ الإدارة في حال تغيبهم.
    كان هؤلاء يحصلون على المأوى والغذاء. لكن بديع يقول "كانوا محتجزين".
    من المخيم، لم يبق شيء لكنه بقي في داخلهم. هذا ما قاله برتران الذي يعيش في قسم من مبنى الإدارة القديمة ويشعر بالأسف لأنه "لم يتوفر له المال للرحيل".
    الشعور نفسه عبر عنه أحمد بينالا (47 عاما) الذي قرر البقاء "لأنني كنت أخاف دائما أن أذهب بعيدا إلى الخارج. أخاف أن أجد نفسي وحيدا في مواجهة كل شيء". وما زال نحو أربعين من الحركيين أو ابنائهم موجودين في الموقع.
    وقالت المؤرخة كاتيا خماش مؤلة كتاب "الحركيون ماض لا يمضي" في 2018 إنه "أمر جنوني.. ما يمكن للاحتجاز أن يسبب من روادع. رادع مادي ورادع نفسي.. القلق من مواجهة بداية جديدة".
    وأضافت "للاشخاص الذين يبحثون عن هوية، يشكل المخيم المسكن المعزول ومكان التجميع، مصدرا قويا يطبع هويتهم".
    وأشارت إلى أن بيا يشكل رمزا، ليس لأنه معسكر للذين "لا يمكن تصنيفهم" أو "الاستفادة منهم" من قبل الإدارة من أرامل وجرحى ومعوقين ومرضى نفسيين، بل لأنه شكل أرض تمرد الحركيين بعملية احتجاز رهائن في 1975 وتدخل الشرطة.
    وبعد هذه التحركات بدأت عملية التفكيك وانتقلت الإدارة إلى السلطة المدنية بينما أصبح يتم تشجيع العائلات على الرحيل. استغرق تدمير كل الأكواخ عشرين عاما.
    ومع اقتراب اليوم الوطني للتكريم في 25 أيلول/سبتمبر -- يمكن أن تعلن فيه الحكومة عن إجراءات --، تطالب بعض المنظمات المدافعة عن الحركيين بتعويضات مادية تقول إنها تقارب المليارات.
    وبالنسبة لآخرين، الحاجة الملحة هي لعمل ذاكرة "تاريخ فريد تم التعرف عليه أخيرا والاعتراف به"، بعد جهود بذلها "الجيل الثالث".
    لكن بالنسبة للذين عاشوا في مخيم بيا الأمر ملح قبل نسيانهم للمرة الأخيرة.
    ويذكر بديع العضو في "اللجنة الوطنية لارتباط الحركيين" بأنه "لم يعد هناك سوى خمسة أو ستة آلاف شخص من الجيل الأول".
    والقطعة التذكارية الوحيدة في بيا اللوحة على قاعدة النصب تم تخريبها الأسبوع الماضي، في ضربة جديدة نحو نسيانهم.
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام