• المرضى النفسيون في بلغاريا متروكون لمصيرهم


    المصور: نيكولاي دويتشينوف

    A G - AFP في مستشفى كوريلو للأمراض العقلية عند الهضاب المحيطة بصوفيا، يقبع نحو مئة شخص داخل مبان متداعية حيث يتخبطون في عزلتهم ويعانون الإهمال والنسيان... إذ لم يطرأ أي تحسن على الوضع المتردي للمرضى النفسيين في بلغاريا منذ الحقبة الشيوعية.
    ويقول المستشار الوطني لدى وزارة الصحة دروزدستوي ستويانوف الذي دعا أخيرا الجمعية الأوروبية للطب النفسي لمهمة تدقيق في بلاده "بلغاريا هي البلد السوفياتي السابق الوحيد الذي لم يجر أي إصلاحات لنظام الرعاية للمرضى النفسيين".
    وفي هذا الوقت، يمضي المرضى في مستشفى كوريلو أيامهم في عزلة تامة عن العالم بعيدين كل البعد عن أحدث التطورات في الطب النفسي الذي بات يشجع في العقود الأخيرة على دمج المرضى في المجتمع ضمن خلايا صغيرة.
    وتشير رئيسة الجمعية الأوروبية للطب النفسي سيلفانا غالديريزي عبر وكالة فرانس برس إلى "الخطورة الفائقة لقضاء ساعات طويلة بلا أي نشاط على الصحة الجسدية والعقلية"، داعية الحكومة البلغارية إلى التحرك في هذا المجال.
    وليس مستشفى كوريلو أبدا حالة استثنائية في البلاد... فالأكثرية الساحقة من مستشفيات الطب النفسي والمصحات العقلية الموروثة في هذا البلد من الحقبة الشيوعية حين كان يتم إخفاء المرضى النفسيين لعدم تشويه الصورة المضيئة التي كانت الدعاية السياسية للنظام الحاكم تعمل للترويج لها، مقامة في مناطق معزولة وتفتقر للموارد اللازمة لمعالجة نزلاء هذه المواقع الذين يفوق عددهم الإجمالي ثلاثة آلاف مريض.
    وتقول غالديريزي وهي طبيبة إيطالية "الناس لا يملكون نفاذا إلى مجمل أنواع الرعاية الطبية اللازمة لإعادتهم إلى الحياة الطبيعية من أدوية وعلاج نفسي وإعادة تأهيل".
    وأقيم مستشفى كوريلو في موقع كان يضم مستودعات قديمة تعاني حرارة ملتهبة صيفا وصقيعا قارسا شتاء، ولا يفيد مرضاه سوى من مرحاضين لكل عشرين شخصا وسرير معدني يمثل المساحة الخاصة الوحيدة لهم. ويتمتع الموقع أيضا بمنتزه غني بالأشجار، غير أن "هذا وحده لا يكفي لمعالجة المصابين بانفصام الشخصية"، على ما تقول مديرة مستشفى كوريلو تسفيتسلافا غالابوفا.
    - ميزانية "تافهة" -
    حتى أن الوضع تدهور من بعض النواحي إذ إن المزرعة الحكومية التي كان في إمكان المرضى العمل فيها خضعت للخصخصة ما حرم المرضى من النشاط العلاجي الوحيد لهم.
    ويترجم النقص في الموارد عبر الرواتب الهزيلة للمتعاقدين مع الموقع إذ لا يتعدى راتب الطبيب النفسي 520 دولارا والممرض 300 دولار، أي أقل من متوسط الرواتب (580 دولارا) في هذا البلد الأفقر في الاتحاد الأوروبي.
    وتقول مديرة المستشفى الجامعي للطب النفسي في بليفن (شمال) مايا ستويمينوفا "ليس لدي 630 ليفا (374 دولارا) لعامل اجتماعي مكلف إعادة الدمج"، واصفة الميزانية بأنها "تافهة" و"عبثية".
    وأطلقت الحكومة هذا العام خطة عمل تمتد على ثلاث سنوات ترمي لإغلاق بعض المؤسسات وإنشاء مراكز استقبال نهارية تتيح دمج المرضى على نحو أفضل في المجتمع. غير أن الأحكام الاجتماعية المسبقة لا تزال على حالها.
    ويقول ستويانوف إن "الموقف القائم على الوصمة السلبية لا يزال منتشرا في المجتمع حتى في أوساط الأطباء".
    وشدد وزير الداخلية فالنتن راديف أخيرا في تعليق على جريمة قتل عائلية على ضرورة "السيطرة على المرضى النفسيين واحتجازهم".
    ورغم ظروف الإيواء التي نددت بها لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة العام الماضي، لا تزال عائلات كثيرة تودع مرضاها هذه المؤسسات في غياب أي مراكز استقبال نهارية لأصحاب هذه الحالات.
    ومع الازدياد الكبير في عدد الأسماء الموضوعة على قائمة الانتظار لدخول هذه المؤسسات المخصصة للعناية الطويلة الأمد، يضطر مئات المرضى لعيش حياتهم في المستشفى من دون إمكانية العودة لمنازلهم.
    وتقول مديرة مستشفى كوريلو "ثمة شخص مصاب بانفصام الشخصية ارتكب جريمة قتل يعيش في مركزنا منذ 23 عاما".
    وللخروج تدريجا من هذه الدوامة، على بلغاريا تخصيص 10 % من نفقاتها الصحية للطب النفسي، فيما تراوح النسبة حاليا بين 1 % و3 %، وفق الجمعية الأوروبية للطب النفسي.
    وتؤكد غالديريزي أن "الإرادة السياسية عامل جوهري" في هذه المسألة.
    وفي الانتظار، تبدو هذه الإرادة غائبة بشكل شبه تام وفق مديرة مستشفى كوريلو تسفيتسلافا غالابوفا. وهي تقول "طلبنا نقل المستشفى إلى صوفيا غير أن البلدية اشترطت حصول استفتاء على ذلك". ومذاك سُحب المشروع من التداول.
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام