• السجّان السابق في "هانوي هيلتون" معجب بـ"عناد" جون ماكين و"تصلبه"


    المصور: نهاك نغويين

    A G - AFP عُرف الطيار في سلاح البحرية الأميركي جون ماكين خلال سنوات أسره في هانوي أثناء حرب فيتنام بمواقفه الصريحة ورفضه المطلق للمساومات، ما أثار إعجابا حتى لدى سجانيه الفيتناميين على ما يستذكر أحد هؤلاء في مقابلة مع وكالة فرانس برس.
    ويعود المدير السابق لسجن هوا لو المعروف بلقبه "هانوي هيلتون"، بالذاكرة إلى سجال نشب بينه وبين جون ماكين، قائلا إنه أعجب بشدة بتمسك الأخير بمواقفه.
    ويقول العقيد المتقاعد تران ترونغ دويت لوكالة فرانس برس "أحببت فيه عناده وتصلبه في المواقف خلال سجالاتنا".
    وفي العقود التي تلت حرب فيتنام، سامح ماكين الذي توفي السبت قبل بضعة أيام من بلوغه عامه الثاني والثمانين أعداءه الذين كانوا السبب في وضعه خلف القضبان كما ساعد في المصالحة بين البلدين اللذين تجمعهما حاليا علاقة وطيدة.
    وبدأت مرحلة السجن التي امتدت خمس سنوات ونصف السنة، في تشرين الأول/أكتوبر 1967 عندما أودع ماكين السجن الذي شيده الفرنسيون بعد إسقاط طائرته الحربية من طراز "سكاي هوك" فوق بحيرة تروك باك في هانوي.
    وبعد إصابته بكسر في قدمه وذراعيه، اقتيد جون ماكين إلى السجن البارد والمكتظ ليلتحق بحوالى 500 أسير حرب في الموقع.
    وعلم سجانوه سريعا أن والد ماكين كان أميرالا في البحرية، واكتسب الأسير الشاب سريعا لقب "ولي العهد".
    وقد كانت سنوات الأسر الأولى شاقة. فقد أودع ماكين في السجن الانفرادي وعانى من الإسهال.
    وكان قوته على مدى أشهر طويلة يقتصر على الخبز وحساء اليقطين. كما كان يتواصل مع رفاقه في الأسر عن طريق رموز صوتية كان يبعث بها من خلال الطرق على جدار سميك من الخرسانة.
    وقد روى ماكين في مذكراته أن تجربة السجن الانفرادي "كانت سببا في تعكير مزاجي" مشيرا إلى أنه كان يحاول التصدي للاكتئاب عبر توجيه الإهانات للحراس.
    كما أشار ماكين إلى أنه عانى من التعذيب والاستجوابات العنيفة.
    وهو قال بعد إطلاق سراحه العام 1973 "كنت أتعرض للضرب كل ساعتين أو ثلاث من حراس مختلفين. ذراعي اليسرى كسرت مجددا وطحنت ضلوعي".
    - دروس لغة إنكليزية ودعابات -
    وينفي دويت أن يكون ماكين أو أي أسير آخر قد تعرض للتعذيب مشيرا إلى أنه كان يعاقب أيا من الحراس الذين يرتكبون مخالفات من هذا النوع.
    وقال دويت في مقابلة أجراها في وقت سابق هذا العام "لم يتعرض (ماكين) للتعذيب، الشعب الفيتنامي أنقذه".
    وفي آخر مرحلة الأسر، بدأت علاقة دويت وماكين تتحسن.
    ويقول دويت "خارج ساعات العمل، كنا نعتبر أنفسنا أصدقاء. لقد علمني الإنكليزية... كان يتمتع بمهارات تعليمية جيدة".
    وفي كتاباته بعد مرحلة السجن، أشار ماكين إلى تحسن في ظروف اعتقاله مع بداية السبعينات.
    وهو كان يقرأ نصوصا للدعاية السياسية عن القائد الفيتنامي الثوري الشيوعي هو شي مينه كما كان يسمح له بالتجول في باحة السجن مع أسرى أميركيين آخرين كانوا يطلقون على أجزاء الموقع المختلفة أسماء فنادق معروفة في لاس فيغاس.
    ويركز السجان السابق لجون ماكين على الذكريات الطيبة في هذه التجربة مستعيدا تبادلهما النكات والقصص عن العائلة والسفر وحتى عن النساء.
    ويقول لوكالة فرانس برس مبتسما "كنا نضحك سويا وحصل توافق بيننا على أن النساء متشابهات في كل مكان فهن يحببن الغزل ويجمعهن النكد والغيرة".
    - "روح تصالحية" -
    وقد ترك ماكين سلاح البحرية العام 1981 لينطلق في مسيرة سياسية طويلة من أبرز محطاتها كانت توليه عضوية مجلس الشيوخ عن الجمهوريين في أريزونا.
    غير أن صدى تجربته في سجن "هيلتون هاواي" ظل يتردد طوال حياته.
    وقد قال دونالد ترامب خلال حملته الرئاسية إن جون ماكين "ليس بطل حرب" لأنه وقع في الأسر في فيتنام.
    وأثارت هذه التصريحات سخطا لدى مؤيدي ماكين الذين يرى كثر منهم أن تجربته في الأسر كانت مفصلية في حياته.
    ويقول ألفين تاونلي مؤلف كتاب "ديفاينت" عن أسرى الحرب الأميركيين في سجن هوا لو الفيتنامي "جون ماكين سيظل على الدوام رمزا لأسرى الحرب الأميركيين، هذه التجربة باتت جزءا لا يتجزأ من اسمه وشخصه".
    كذلك يعزى لجون ماكين فضل كبير في المصالحة بين الولايات المتحدة وفيتنام اللذين باتا يرتبطان بتحالف قوي بعد نصف قرن على انتهاء الحرب بينهما.
    ويوضح تاونلي "انفتاحه على فيتنام واستعداده ليس لزيارة هذا البلد فحسب بل أيضا معاينة الأماكن التي عاش فيها تجربته هناك ساهم بلا شك في مداواة جروح كثيرة".
    وقد زار ماكين البلد الواقع في جنوب شرق آسيا مرات عدة منذ إعادة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وهانوي في 1995، حتى أنه عاد إلى "هانوي هيلتون" الذي استحال مقصدا سياحيا مهما وعقد فيه لقاء مؤثرا مع أحد سجانيه السابقين الآخرين.
    ولم تتح لدويت فرصة التواصل مجددا مع ماكين، لكنه يعرف ما كان ليقول له فيما لو حصل ذلك.
    ويوضح "لو أتى إلى فيتنام، كنت لأرحب به ليس كسجين سابق وسجّانه بل كاثنين من قدامى المحاربين من طرفي المعركة يلتقيان مجددا في روح تصالحية".
    ولدى إعلامه بنبأ وفاة ماكين، أبدى دويت الأحد "الحزن الشديد" قائلا "هلا أرسلتم تعازي لعائلته من فضلكم".
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام