• مراجعة صعبة لكتب تاريخ مقدونيا بعد التوتر مع اليونان بشأن اسمها


    المصور: روبرت اتاناسوفسكي

    A G - AFP في ظل بوادر حل للأزمة الدبلوماسية المستمرة منذ ربع قرن على خلفية مطالبة اليونان جارتها مقدونيا بتغيير اسمها لأسباب تاريخية، تبدو الروايات الواردة في كتب التاريخ المقدونية ذات المنحى القومي المناوئ لأثينا أكثر عصيانا على التغيير.
    وترفض أثينا استخدام جارتها الصغيرة اسم "مقدونيا" معتبرة أن هذه التسمية تعود للمقاطعة الواقعة في جنوب اليونان.
    كذلك ترى أثينا في هذه التسمية استعادة للإرث التاريخي للملكين الاسكندر الكبير وفيليبوس الثاني المقدوني، ما قد يخفي مطامع توسعية.
    ويبدو الجانبان على مشارف حل نزاعهما بشأن التسمية التي قد تتغير إلى "مقدونيا العليا".
    غير أن المصالحة في مقدونيا تمر أيضا بمراجعة الخطاب الوطني الذي تروج له خصوصا كتب التاريخ. فلمناسبة الاحتفالات الوطنية، يرتدي الأطفال أزياء عائدة إلى حقبة الملوك المقدونيين. ويرى بعض الأهالي أن المقدونيين ليسوا من الشعوب السلافية بل هم يتحدرون مباشرة من الملكين فيليبوس والاسكندر.
    ومن أكوام الألعاب المتكدسة في علية المنزل العائلي قرب سكوبيي، يسحب نيكولا كفيتوسكي وهو ميكانيكي متقاعد في الخامسة والستين من العمر "أسطورة مقدونيا القديمة".
    ويشير كفيتوسكي إلى أنه من خلال هذا الكتاب الأحمر الضخم الذي نشره السياسي المحلي فاسيل توبروكوفسكي بعد عامين على استقلال البلاد في 1991، "يقول لنا المجتمع إن كل ما تعلمناه سابقا لم يعد حقيقيا".
    -عندما أخضع "اسكندر المقدوني" اليونانيين -
    ويوضح هذا الرجل الذي كبر في ظل حكم نظام يوزف تيتو الشيوعي الذي كان يمجد لهوية يوغوسلافية مشتركة "فجأة، باتت المدارس تطلب من التلامذة شراء هذا الكتاب"، بعدما كان الإسكندر الكبير ووالده مغيبين عن المناهج.
    وبرأي المؤرخ تودور سيبريغانوف، كرست نهاية يوغوسلافيا "تجددا في المشاعر القومية" في مقدونيا التي بقيت بمنأى عن النزاعات في يوغوسلافيا السابقة.
    وقد تعزز هذا المنحى العميق خلال سيطرة اليمين القومي بقيادة نيكولا فرويفسكي على الحكم بين 2006 و2016.
    وفي نسخة 2011 من الكتاب المدرسي لتلامذة الصفوف المتوسطة الأولى، كان الفتية بين سن 11 عاما و12 يتعلمون في الفصل المخصص "للدولة المقدونية خلال حكم فيليب" كيف نجح هؤلاء بعد الإيليريين والبانونيين والتراقيين في "إخضاع المستوطنات اليونانية".
    أما ابنه "اسكندر المقدوني" فقد "نجح في هزم (اليونانيين) وإرغامهم على الاعتراف بسلطته" بعدما حاول هؤلاء "رفض الحكم المقدوني".
    ويتضمن الكتاب عينه اختبارات لمعارف التلامذة تحوي أسئلة على شاكلة "هل تعلمون أن المقدونيين كانوا يأكلون جالسين فيما الرومان واليونانيون كانوا يفعلون ذلك ممددين"، أو أيضا "هل تعلمون أن النساء المقدونيات كانت لهن الحقوق عينها كالرجال وأن القادة وحدهم كان يحق لهم بالاقتران بأكثر من زوجة واحدة".
    - "غسل دماغ" -
    ولم يفلت التعليم العالي من هذا المنحى. فقد حوى كتاب هندسة صادر في العام 2010 عن جامعة ستيب توصيفا ل"مقدونيا القديمة" على أنها "منطقة في البلقان كان يسيطر عليها المقدونيون" وهي لم تكن "جزءا من اليونان".
    ويلفت داميان تودوروفسكي وهو مدرّس في التاسعة والخمسين من العمر في بيتولا إلى أن "كل الكتب المدرسية المستخدمة بعد 2006 كانت تقوم على غسل دماغ منهجي بعيدا عن البعد التربوي".
    وتقول سونيا ترايانوفسكا وهي أم أربعينية "لم يكن هناك دولة مقدونيا حتى العام 1945... عم نتحدث؟ لن أدع طفلي عرضة لتلقين عقائدي ولتزوير التاريخ من جانب تيار قومي".
    وبعد بضعة أشهر على وصولهم إلى الحكم في أيلول/سبتمبر، وعد الاجتماعيون الديموقراطيون بقيادة رئيس الوزراء زوران زاييف بمراجعة شاملة لكتب التاريخ.
    ويوضح المسؤول التربوي لدى الاجتماعيين الديموقراطيين بيتار اتاناسوف "لا يمكننا أن نفرض على أطفالنا أحكاما مسبقة وخطاب كراهية خصوصا إزاء جيراننا".
    ويضيف "غير أن هذا الأمر يجب أن يكون نتاج عمل خبراء وأساتذة وليس سياسيين".
    ويتعين أن ينال أي تغيير في المناهج موافقة المدرسين خصوصا الأصغر سنا من بينهم.
    وتقول أستاذة التاريخ المتقاعدة البالغة 87 عاما ماريا فيسكوفا "تعويض الأذى اللاحق سيستغرق دهرا".
    أما زميلتها الشابة ناتاشا البالغة 28 عاما فتبدي قلقها قائلة "لا أفهم لم علينا أن نخجل بهويتنا. اسكندر كان مقدونيا، ونحن نجزع من قول ذلك خشية إغضاب اليونانيين".
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام