• الأردن.. من ابن رئيس وزراء إلى ابن بعثي كبير!


    بقلم : يوسف علاونه يتنقل الأردن باستمرار في سياسة التوازن الإقليمي وتم العبير عن ذلك دائما عبر رؤساء حكومات متنقلين بين تأثيرات ثلاث: السوري والعراقي والجزيري (جزيرة العرب)، وظل أثر الجغرافية على الأردن خطا يرسم حدا بين الضيق والانفراج.

    وهكذا أتقن العرش الأردني في حقبة التحولات الكبيرة سياسة تلبي مصلحة الأردن بحسب الطقس الجيوسياسي لدرجة أن كثيرين حفظوا المعادلة، فالتقارب مع الخليج يقوده عبدالكريم الكباريتي ومع العراق يقوده مضر بدران وإذا الشام شامك ولو ضامك فرئيس الوزراء هو زيد الرفاعي!
    وقد انتهى هذا الآن!

    فذئب العراق صدام حسين انتهى ومثله ثعلب سورية حافظ الأسد، والورثة إما متخلفون عقليا لا يتقنون شيئا غير اللطم كما في العراق، أو هو كخيال المآتة كما في سورية حيث ابن الثعلب لا يشبه شيئا غير الزرافة!
    أما الخليج فلم يعد كما في السابق حنفية رفد ودعم في غاية الكرم والعطاء!

    الخليج اليوم يخوض حربا في اليمن وينخرط في مواجهة عميقة ضد إيران على أكثر من صعيد وبأكثر من ساحة، وهو منقسم انقساما يصعب البناء عليه لأن كل الاحتمالات مفتوحة فقطر تمارس سياسة انتقامية ينطبق عليها مثال (زعل الكناين) وسلطنة عمان معتادة على (التميز) المتأرجح بين الاستفزاز والملل، والأصهار في الإمارات (محمد المكتوم زوج الأميرة هيا الحسين) مع السعودية قلبا وقالبا أما الكويت فلم تعد بلدا يحدها من الشمال العراق وإنما تحده من الشمال والشرق برا وبحرا صورة علي خامنئي رمز الهيستيريا اللاطمة، تريد الثأر للحسين، وبما أن القتلة غير موجودين فالحل تدمير بلاد السنة!

    أما السعودية فهي الحليف الثابت للأردن منذ المصالحة التاريخية بين عبدالله الأول وعبدالعزيز في الرياض، أطول حدود للأردن معها، وأكبر جبهة مصالح أمنية وسياسية وتجارية معها، وهي العمق الاستراتيجي الذي لا غنى عنه، كما أن صمود الأردن ضروري لطمأنينة جدار أرض الحرمين الآمن والمحصن.

    وعلاقة الأردن والسعودية لا تشوبها شائبة لكنها مغطاة بجبل ضخم من الشائعات!.. ما بين مغرض، ومتمني وسطحي وغير معروف المصدر، والأهم هو ما يتأرجح بين تفسير قطري يريد النأي بالأردن عن السعودية، أو سعودي غير معتاد على المزايدة، فيظل على المتابع أن ينتبه إلى أن (ليس كل ما يعرف يقال)!

    لكن الظواهر استفزازية، فإعلام الجبهة المعادية للسعودية وتتقدمه قناة (الجزيرة) القطرية المتماهية مع إيران وجماعة الإخوان يقدم كلمة الملك عبدالله الثاني عن خنق الأردن لتمرير (صفقة القرن) في شأن القدس وكأنه يقصد السعودية!.. والحقيقة أنها ليست السعودية بل الولايات المتحدة نفسها!

    والأردن مسؤول عن القدس بنص اتفاقه الخاص في وادي عربة مع إسرائيل، والقدس أساسا جرى احتلالها من الأردن، والأردن واقعيا وعمليا أولى البلاد بفلسطين شعبا وقضية، لكن الحقيقة أيضا هي أنه ما من أحد يمكنه فرض تسوية أو حل يتم التنازل فيه عن القدس لأن هذا يعد تدشينا للنزاع لا حلا للنزاع!

    هذه الحالة الملتبسة بين استحالة حل قضية فلسطين وعدم واقعية ما يتم الترويج له بوصفه (صفقة القرن)، وبين طغيان أثر العلاقة الخاصة بين الجبهة السعودية الإماراتية وعراب (الصفقة) الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهذا ما يزعج ويؤجج الجبهة القطرية فيجعلها تروج لأزمة علاقات سعودية أردنية!

    وفي الحقيقة أنه لا أزمة ولا يحزنون، فالأردن شريك بعاصفة الحزم وقواته مستمرة ضمن التحالف العربي، وهو على موقفه من تخفيض التمثيل مع قطر، وإن عدنا للأبعد فهو مكون أساسي من قوة درع الشمال التي تساعد بتحصين شمال السعودية ضد أي تعرض، والمناورات بين الجيشين العربي السعودي والعربي الأردني مستمرة وضمن برامجها المعدة، لكن هناك إشارات تعطي مساحة للتشكيك، ومنها أن الأردن حضر قمة المؤتمر الإسلامي بعد تمني سعودي بأن لا يحضر!
    والأردن حساس من طرح موضوع القدس وبأي حساب ويعتبر هذا مساسا بدوره ومهمته، على أن من الإشارات ما تتم المبالغة في تفسيره فالأردن بلد مستقل وبهذا الحساب فإنه يتصرف دون شعور بأن أحدا ينبش وراءه ومن ذلك (مثلا) مصافحة عابرة بين جلالة الملك ورئيس إيران في رواق أو ممر من ممرات انعقاد القمة الإسلامية الطارئة في تركيا فلم يكن لقاء ولا اجتماعا ولا محادثات، والعلاقة بين الأردن وإيران فاترة من قديم، بل إن الأردن حذر جدا وحساس للغاية من اقتراب البهايم المحسوبة على إيران في أراضي سورية من حدوده، والأردن لم يستجب لمغريات إيرانية كثيرة يجري طرحها كثيرا وبكل مناسبة لإقامة مجمع شيعي لاطم على ضريح جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه).. وحجم الإغراء هنا بالمليارات ضمن سياسة تجشؤ التشيع المجوسية الإيرانية، مع أن تعهدات إيران بضمان مجيء 100 ألف (حاج) إيراني وشيعي للضريح الملطوم عليه جدية، ومثلها التأثير على حكومة بغداد الخاضعة لتأثير وهيمنة إيران بمنح الأردن عقودا ومعاملات تفضيلية، لكن الأردن يتعالى على هذا، وهو منشغل حتى النهاية باستقراره الاقتصادي الخطير والمهم جدا لأمنه الوطني.

    وهنا نعود لما بدأنا، من ارتباط التغييرات الوزارية الأردنية وبكل حساب بالمناخ الإقليمي، فرئيس الوزراء (المستقال) تحت وطأة ضغط الشارع هاني فوزي الملقي هو رئيس وزراء ابن رئيس وزراء، فوالده هو أول رئيس وزراء لعهد الملك الراحل الحسين بن طلال، وقد أكمل سيرة والده بخدمة العرش الهاشمي ضمن رؤى (التكنوقراط) الميالة للخضوع لشروط البنك الدولي، لكنها هذه المرة تجاوزت حدودا أخلاقية أرسى دعائمها الملك الراحل الحسين بن طلال ويسير عليها خلفه عبدالله، بعدم المساس بلقمة عيش المواطن أو بكرامته، ليأخذ مراقب مثلي جانب الترحيب باللفتة التاريخية لتعيين ابن مناضل قومي ثقيل في منصب رئيس الوزراء، فاختيار الملك هذه المرة جاء للأصغر سنا من رئيس الوزراء السابق بعشر سنوات، وهو (الدكتور عمر الرزاز) ابن البعثي الدكتور (طبيب) منيف الرزاز الدمشقي المولد (1919) المهاجر للأردن عام 1925 والقيادي البعثي الكبير الميت عام 1984 في بغداد تحت الإقامة الجبرية!

    وقد استكمل منيف الرزاز عروبته بأن تخرج طبيبا من جامعة القاهرة وعاد إلى عمان لينضم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1950ثم نُفي إلى سورية بلده الأصلي عام 1952، ثم اعتقل مع مجموعة من السياسين (الضباط الأحرار) عام 1957 في سجن الجفر الصحراوي، واعتقل ثانية عام 1963 على إثر محادثات الوحدة الثلاثية (مصر وسورية والعراق)، ثم عام 1965 انتخب أميناً عاماً للحزب فانتقل إلى دمشق، ثم عاد إلى الأردن بعد هزيمة حزيران يونيو 1967 والتحق بالمقاومة الفلسطينية، ثم انتخب عام 1977 أمينا عاما مساعدا للحزب بفرعه العراقي فانتقل إلى بغداد، ثم نُحّي على يد صدام حسين عام 1979وفرضت عليه إقامة الجبرية مع زوجته لمعه وابنته زينة حتى توفي في بغداد في عام 1984، وبناء على وصيته تم دفنه في الأردن.

    من هذه الخلفية جاء رئيس وزراء الأردن الجديد وهو مسلح بخبرات أكاديمية كبيرة فوقها يتطلبها منصبه في خدمة الأردن ومليكه وشعبه، فهو حاصل على شهادة الدكتوراة في التخطيط الحضري من جامعة هارفارد، وشهادة الدكتوراه في القانون من نفس الجامعة وعمل وزيرا للتربية وتولى مرارا رئاسة مجالس متخصصة بالتخطيط الاستراتيجي وأدار البنك الدولي في واشنطن وبيروت، وناشط في مجال حقوق الإنسان وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

    ما يتبقى هنا هو القول بأنه اختيار موفق من جانب الملك، دون أن يمنع ذلك القول بأن التركة ثقيلة والعبء أثقل، كما أن المرحلة برمتها شديدة الوطأة.. لكنها أزمة وانتهت وليس عيبا على الحاكم أن يلبي ما يريده شعبه.. ويتمناه.

    *يوسف علاونه*
    twitter: @alawnay
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام