• مبادرة مدنية تنطلق من شمال لبنان للحفاظ على الثروة السمكية


    المصور: ابراهيم شلهوب

    A G - AFP يسعى عدد من الغطاسين إلى حماية البيئة البحرية في لبنان من خلال الترويج للصيد المائي بالبندقية، الأقل إضرارا بالثروة السمكية في سواحل هذا البلد الذي يعاني من تدهور بيئي.
    عند الساعة الخامسة صباحا، يصل الصيادون الشبان إلى مرفأ مدينة القلمون في شمال لبنان. يخلعون ملابسهم ليرتدوا بزّات مرقّطة كأنهم ضفادع بشرية.
    يخرج الشبّان إلى عرض البحر، يحملون زعانفهم ونصالهم المعلّقة بالبنادق، ليمارسوا نوعا من الصيد يأملون أن ينتشر بين الصيادين لتخفيف الضغط على البيئة البحرية والثروة السمكية في المياه اللبنانية.
    ويقول الغطاس رشيد ذوق البالغ من العمر 38 عاما، وهو مدرب متخصص في الغطس الحرّ والصيد بالبندقية البحرية "بدأت اصطاد تحت الماء عندما كنت في السابعة من العمر وكنت أرى أسماكا كثيرة من مختلف الأنواع والأحجام. لكنها صارت تتناقص على مر السنين".
    قبالة شواطئ القلمون، قرب مدينة طرابلس ثاني كبرى مدن لبنان، ينطلق رشيد مع رفاقه في رحلة الصيد، يبقى اثنان منهم على سطح المياه ينظران إلى الأسفل، وينزل ويغوص الثالث حاملا بندقيته المائية، وهما يتابعانه للتأكد من سلامته، ثم يتبادلون الأدوار.
    ويتمكن هؤلاء الغطاسون من البقاء تحت الماء دقيقتين حابسين أنفاسهم، ويغيّرون مكانهم بين الحين والآخر ... لكن الحصيلة غالبا ما تكون سمكة أو اثنتين فقط.
    يُجمع الصيادون على تراجع أعداد السمك في المياه اللبنانية.
    ويقول فيصل طاوقجي وهو صياد يعمل على كامل الساحل الشمالي اللبناني "أنا أغطس كل يوم منذ 12 سنة. أضع أقفاص الصيد تحت الماء وأسحبها لاحقا محملة بالسمك. كنت أحصد 40 كيلوغراما من السمك يوميا في العام 2016، اليوم لم يعد المحصول يتعدى النصف".
    - مبادرة مدنية -
    وفقا لدراسة أعدها الاتحاد الأوروبي في العام 2017، يعاني 90 % من السمك في البحر المتوسط من الإفراط في الصيد.
    وفي مسعى لمعالجة هذا الأمر، أطلقت في ربيع العام 2017 مبادرة "ميدفيش4افر" مع دول ليست من أعضاء الاتحاد الأوروبي، وذلك على إثر مؤتمر عن الصيد عقد في مالطة.
    وتتركز هذه المبادرة تحديدا على مكافحة الصيد غير المشروع وغير المنظّم، واعتماد إجراءات مستدامة للحفاظ على البيئة والثروة السمكية.
    لكن لبنان الذي ينشط فيه سبعة آلاف صياد على الشواطئ، والذي لا يشكّل الصيد موردا مهما لاقتصاده، لم يشارك في هذه المبادرة.
    في المقابل، ينظّم القانون اللبناني نظريا الصيد مانعا صيد الأسماك الصغيرة وحاظرا الصيد بالديناميت، لكن هذه التشريعات لا تحترم كثيرا.
    - "تجديد الحياة" -
    إزاء هذا الواقع، نشأت جمعية "فريديف ليبانون" التي تعنى بالصيد بالبندقية البحرية، وتفرض على أعضائها عدم استخدام قوارير الأكسجين وعدم الصيد ليلا، ليتقلّص بذلك حجم الصيد.
    ويقول رشيد ذوق "بدأت وحدي، ثم أصبحنا تسعين عضوا في آخر العام 2017".
    وجاءته هذه الفكرة من حيث لم يكن يخطر ببال أحد، ففي العام 2006 أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان توقّف الصيادون عن العمل شهرا كاملا، ولدى عودتهم وجدوا أن أعداد السمك قد تكاثرت بسرعة.
    ويقول رشيد "فوجئت بقدرة البحر على تجديد الحياة فيه".

    المصور: ابراهيم شلهوب

    و تدعو مبادرته عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تجمع لأكبر عدد من ممارسي رياضة الغطس الحر وإلى حملات توعية سنوية للصيادين.
    ويقول "نوضح متى يجب التوقف عن اصطياد أصناف معينة من الأسماك وإبدالها بأخرى خلال مواسم التزاوج وإلقاء البيوض".
    ويضيف "لكن بعض الصيادين يعارضون حملاتنا لأنهم يريدون الحصول على أكبر قدر من السمك بأقل وقت ولو أدى ذلك إلى كارثة".
    - مخالفات الصيادين للقانون -
    على المدى الطويل، سيؤدي الإفراط في الصيد إلى تهديد عمل آلاف الصيادين في لبنان الذين قد يجدون أنفسهم من دون مورد رزق إن استمرت وتيرة الصيد على حالها.
    ويقول حسن ملاط وهو صياد سابق في الرابعة والسبعين من العمر "أسباب تراجع الثروة السمكية في لبنان كثيرة، مثل التلوث وانتشار أساليب الصيد الجائرة والإفراط في الصيد".
    ويضيف "لا يوجد إشراف فعلي من الدولة على الصيد البحري. فلا هي تدعم الصياد إن كان عليه أن يمتنع عن العمل أربعة أشهر في السنة كي تتجدد الثروة السمكية. ولا هي تحدد سعر السمك بما يتناسب مع المدخول الوسطي للصياد".
    ويرى رئيس بلدية منطقة الميناء في طرابلس عبد القادر علم الدين أن "الضائقة التي تصيب الصيادين سببها مخالفة بعضهم القانون"، داعيا "الجمعيات والمنظمات للتدخل".
    ومن هؤلاء المخالفين خالد سلوم البالغ من العمر 50 عاما، وهو يفحص الفتحات الضيقة لشبكته ويقول "أنا مخالف ولكن دع الدولة تنظم الصيد أولا لأحرق شباكي وأعتمد القانون".
    ورغم أن دور الجزر والمحميات أساسي في تنامي الحياة المائية، يوضح مدير المحميات البحرية سعد علم الدين أن نطاق عمله لا يتجاوز قطر 500 متر حول المحميات ويقول "تقتصر صلاحياتي على تبليغ الأجهزة الامنية عند حصول مخالفة".
    بعد انقضاء أربع ساعات، يغادر الصياد جمال هلال مكانه حاملا معه ما جمعه من سمك.
    ويقول مبتسما "لقد أخذنا حاجتنا من السمك فلنعط البحر ثمن ما أعطانا".
    ويلقي فضلات تنظيف السمك في البحر موضحا "هكذا تتغذى الكائنات على الفضلات العضوية بدل أن تتحول أوساخا في المنزل".
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام