• فلسطين بين زمن بوش وبيكر وصدام وزمن ترامب وبومبيو وخامنئي


    بقلم : يوسف علاونه في مذكرات الداهية جيمس بيكر وزير خارجية الرئيس الأميركي الأدهى، الجمهوري جورج بوش الأب فصل كامل تقريبا خصصه لمحادثاته مع المسؤولين العرب المشتركين بالتحالف الدولي الذي تشكل عامي 1990-1991 لطرد القوات العراقية من الكويت، وتصورات هؤلاء الزعماء العرب في حال تنفيذ الرئيس صدام حسين لتهديده بقصف إسرائيل.

    ومن الطريف الذي يذكره بيكر عن تلك تلك المحادثات أن الأمر استغرق أقل من نصف ساعة مع حافظ الأسد ونحو سبع ساعات مع المرحوم الشيخ سعدالعبدالله الصباح ولي عهد الكويت في ذاك الوقت.. مما يصح معه الاستنتاج بأن قضية فلسطين تسبب حساسية عميقة أكثر لأهل جزيرة العرب المتهمين ظلما من جانب عرب الشمال بالتخلي عنها!.

    وكان جيمس بيكر هذا ‏قطع 100 ألف كم لتشكيل التحالف المذكور والحفاظ عليه، ووصل به الأمر لزيارة حتى صنعاء لكسب موقفها لصالح الولايات المتحدة وقرارات مجلس الأمن ال دولي ذات الصلة باحتلال الكويت، وضمن نفس هذا الجهد والترتيب عقدت قمة في جنيف بين حافظ الأسد والرئيس بوش تم خلالها تلبية شروط سورية لمناهضة صدام منها ما هو مالي ومنها ما يتصل بلبنان، الذي ‏كان يسيطر عليه حبيب صدام حسين وحزبه والعراق الجنرال ميشيل عون، حبيب إيران حاليا وحليف حزب مدير عام الضاحية الجنوبية اللاطم الإيراني حسن نصرالله!

    وكان حافظ الأسد البعثي العربي الاشتراكي يريد السيطرة على لبنان كثمن لمساندته تحرير الكويت من القوة العراقية البعثية العربية الاشتراكية!

    وبالفعل!.. سمحت الولايات المتحدة لحافظ الأسد والد الروسي بشار الأسد!.. بأن يدك المناطق المسيحية بالصواريخ الثقيلة ويدمر قصر بعبدا (قصر الرئيس ميشال عون) - للعلم أعاد بناءه من ماله الخاص الشهيد رفيق الحريري! - ليهرب الجنرال عون إلى السفارة الفرنسية ويقيم فيها سنوات إلى أن تم تهريبه إلى باريس!

    ‏هنا أعود إلى محادثات بيكر مع الزعماء العرب حول احتمالات تفكك التحالف الدولي في حال نشبت الحرب وبدأ العراق برشق إسرائيل بالصواريخ!.. ففي هذا الظرف سيشتعل الشارع العربي ولن تتحمل الدول العربية الاستمرار بالتحالف!

    لماذا!؟

    لأنها ستكون في مواجهة مع شعوبها المتحمسة ضد إسرائيل!

    ‏ومع وجود الفارق الهائل فإن الحال متشابه اليوم!

    فالمزايدون على فلسطين ممن لا شأن لهم بفلسطين!.. يطبلون ويزمرون الآن لدولة الولي الفقيه باعتبارها (إيران شريفة!) وتخوض المعركة لتحرير فلسطين، فيما يقف مع الجانب الآخر (الولايات المتحدة) من لا يشترك (بمواجهة إسرائيل)، وبالتالي الذي لا يريد تحرير فلسطين ونصرة قضيتها وأقصاها المبارك!

    وعلى رأس هؤلاء المنتفضين لفلسطين مع إيران الإخوان ودولة قطر، أما الخونة المعادون لإيران والمساندون لإسرائيل في هذا النزاع فهم السعودية والإمارات وجميع من معهما!.
    لكن ‏الفارق ولله الحمد هائل جدا!
    وكبير جدا جدا!

    فلم تكن القوات العراقية التابعة لصدام حسين قد اجتاحت المدن العربية وسوتها بالأرض كما فعلت القوات الأيرانية والشيعية في العراق وسورية واليمن ولبنان، فضلا عن المؤامرات الدؤوبة لتدمير البحرين والكويت والمغرب والجزائر بل وبلاد الحرمين الشريفين ذاتها!.

    ‏كان كل ما فعله صدام العدو الايدولوجي المعلن - وفق عقيدة حزب البعث - لدولة اليهود، والذي لبلاده العربية مواجهات حقيقية معها، هو احتلال دولة (صغيرة) بزعم أنها تابعة للعراق، وتشريد شعبها الصغير ناحية جذوره الخليجية الطبيعية!

    فكان الذين لا يرون شيئا غير قضية فلسطين يعتبرون ذلك (مسألة) غير مهمة طالما أنها ستؤدي بهم إلى فلسطين على ظهر مغامرة زعيم هو عمليا ونظريا غير غريب عن فلسطين!

    ‏لكن المؤسف هو أن هؤلاء كانوا نتاج تربية عميقة مريضة، مارستها حكومات الانقلابات العسكرية الجاهلة، والأحزاب العلمانية غير العارفة لشيء اسمه الحلال والحرام وخشية الله، وهي تربية تقوم على احتقار شعوب الجزيرة العربية الغنية.. المسؤولة عن فقرهم وبؤسهم جراء عدم تطبيق مبدأ نفط العرب لجميع العرب!..

    ‏ولهذا كان من السهل على أتباع هذه الثقافة الغبية عديمة الدين والوجدان أن يهتفوا متحمسين: (بالكيماوي يا صدام من الكويت للدمام)!.. وكان حمقى هذه الثقافة يتخيلون أن صدام حسين يريد فعلا تحرير فلسطين، وليس أنه ارتكب غلطة عمره التي دمرت في نهاية المطاف بلده وحزبه وعائلته من دون أن يحقق شيئا لفلسطين!..

    ‏في ذلك الوقت لم يكن تشريد مليون كويتي الذين سماهم عرب الشمال (لاجئي فنادق الخمس نجوم!).. مهما عند هؤلاء المخدوعين بالشعارات الفارغة، الذين ولله الحمد يرون الآن مأساة نحو 25 مليون فقير شبه معدم من المسلمين السنة العراقيين والسوريين واليمنيين وغيرهم ممن شردتهم همجية وعدوانية التشيع الإيراني المجوسي الصفوي.. ‏فهؤلاء تعلموا الآن أن فلسطين ليست إلا شماعة يتخذها المزايدون كمحطة غسيل وتلميع لوجودههم ووجوههم، فيتخذونها موضوع مزايدة بين بعضهم البعض ضمن صراعات ثنائية أو جماعية، ضمن صراعات الحفاظ على النظام أو خلف أوهام خاصة خائبة، مما لا شأن له بقضية فلسطين ومأساة شعب فلسطين أو وجود دولة يهودية تغتصب أقصاهم ومسرى نبيهم!.

    ‏الشارع العربي الذي كان جيمس بيكر يخشاه ويحسب حساب محبته الفطرية لفلسطين خلال غزو العراق للكويت، فيبحث ذلك مع فهد بن عبدالعزيز وسعد العبدالله الصباح وحافظ الأسد وحسني مبارك وزايد بن سلطان آل نهيان وخليفة بن حمد آل ثاني وعيسى بن سلمان آل خليفة وقابوس بن سعيد.. هو شارع مختلف كليا، ‏بات يعلم علما قاطعا بأن القصة الجارية هي قصة تغول وتوحش مذهبي تقوده إيران لنشر دينها الشيعي الذي لا توجد فيه رواية واحدة عن فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، بل إن المسجد الأقصى حسب الدين الفارسي موجود في السماء الرابعة أو على الأقل في كربلاء!..

    ‏والشارع العربي الآن يعلم أن إيران تقود حلفا طائفيا يمارس الدجل والخداع والعداوة ضد كل ما هو مسلم سني، فيصطف معها كل الذين يكفرون بعضهم البعض ومعهم الخوارج العاملين على تدمير وتقسيم بلاد العرب باعتبار ذلك سيؤدي بهم إلى إسقاط الأنظمة التي يعارضونها فتتم لهم وراثة كراسيها وعروشها!..

    ‏والشارع العربي يعلم اليوم جيدا أن 99% من الأقليات الشيعية حيثما وجدت انخدعت بالمشروع الإيراني فالتحقت به قلبا وقالبا وعاطفيا، وتعمل على ترويج مقولاته وأوهامه المريضة، وأن هؤلاء المخدوعين لن يستيقظوا من غفلتهم إلا عند سقوط دولتهم (الأم) في إيران.

    ‏والشارع العربي الآن يرى رأي العين أن الشيعة حيثما وجدوا في (غيتواتهم العقائدية) هم ضد سنة العراق وضد حزب البعث فرع العراق لأن قائده كان (السني) صدام حسين بينما هم (الشيعة جميعا) مع حزب البعث فرع سورية لأن من يقوده طاغية مجرم غير سني هو النصيري العلوي بشار الأسد!..

    ‏والشارع العربي يعلم الآن أن (الربيع العربي) كلف بلاده (3000) مليار دولار من الدمار، فضلا عن القتلى والضحايا والمشردين ويعلم أن الدولة الشيعية الفارسية ترقص فوق أنقاض هذا الربيع (البائس) لأنها رأته يقرب ظهور (مهديها الخاص) الذي سيجعل الدماء في مكة إلى الركب فيهدم الكعبة وينقلها إلى قم!.. ‏وهذا الشارع يعلم الآن علم اليقين بأن من قتلهم هذا الطموح الشيعي الفارسي المتوحش، قتل من العرب في غضون بضع سنين ستين ضعف ما قتلته إسرائيل من العرب جميعا خلال سبعين عاما من الصراع على فلسطين!..

    ‏بالتالي فإن هذا الشارع يملك الوعي الكامل بأن إسرائيل خطرة ومعتدية نعم، لكن مشروعها لم يأت إلا على قطر عربي واحد فقط، وأنها تغص به غير قادرة على ابتلاعه، بينما العدوان الشيعي الفارسي دمر عدة بلدان عربية وغايته المزيد وشرد عشرين ضعف الذين شردتهم الدولة اليهودية، وبالتالي فإن مبلغ 400 مليار دولار من الصفقات مع واشنطن، ‏يتم تنفيذها خلال 20 عاما (عقدتها السعودية) وأقل منها يعقده غيرها (الإمارات مثلا) هو مبلغ قليل، وثمن رخيص، بل وضروري لمغادرة هذا الكابوس المرعب من عدم الاستقرار والخطر الداهم الذي تمثله إيران، وبالتالي فإن هذا الشارع لن يهتز له رمش ولن يرتعش له جفن جراء هذه المزايدة الفارغة على قضية فلسطين!..

    ‏الشارع العربي الآن يشبه فقط جمهورا متحمسا عاشقا لكرة القدم وجد نفسه جالسا على المدرجات ليشجع فريقين لم يسمع بهما من قبل ولا يملك تجاه كل منهما أي تعاطف أو تفضيل!.. ولهذا فإنه سيكون سعيدا وسيصفق لكل هدف وكل لعبة حلوة ومن أي فريق ومن دون تعصب!..
    أيها الكرام هاتوا الفستق والذرة وشتى أنواع المكسرات واختاروا ما شئتم من المشروبات الغازية.. ودعونا نتفرج سعداء بكل لعبة حلوة وأي هدف جميل.. (فديت خشومكم)!


    *يوسف علاونه*
    twitter: @alawnay
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام