• سورية التي تؤلمنا جميعا


    بقلم : يوسف علاونه الناس.. وأقصد الجمهور العربي المسلم عموما، قلق وغاضب ويتألم على ما تشهده سورية من مآسي صارت من صنف المحفوظات لدى كل البشر، باستثناء هؤلاء المجرمين الذين تجردهم طائفيتهم البغيضة وعقيدتهم المنحطة من كل شرف ونبل وإنسانية.

    ومع كل مأساة جديدة تشهدها سورية ينسى الناس أن الذبح والضرب بالسلاح الكيماوي والقتل والتهجير والتدمير قائم منذ سبع سنوات، ودون توقف حيث دفع السوريون في بضع سنين تضحيات وآلاما تفوق ما دفعه شعب فلسطين خلال أكثر من سبعين عاما.

    ومع كل تغول لئيم لشذاذ الآفاق من العصابات الشيعية المستبيحة لأرض سورية، يحتاج الناس للتذكير بأن التدخل المجوسي قائم في هذا البلد العزيز منذ البداية.

    والناس هنا كما في مسألة فلسطين، يحركهم الحدث الطارئ المتحول، حتى لكأنه يفاجؤهم مع أنه متفرع من المأساة الأساسية، فهكذا يغضب الناس لقرار اعتراف أميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل مع أن إسرائيل تحتل القدس منذ 41 عاما!

    هنا نعود للجذور الأساسية لمشكلة سورية ذات الغالبيتة العظمى من السنة، وتحكمها وتسيطر عليه الطائفة النصيرية التي أقامت مع الدولة المجوسية منذ عام 1979، تحالفا وثيقا إذ خلال حرب إيران على العراق كنا كعرب مع العراق، وعلى الرغم من أن العلويين يحكمون باسم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان جناحه الآخر يحكم العراق، كانت طائرات سورية بقيادة النصيريين تقصف العراق باعتبارها طائرات مجوسية!

    بالتالي تكون مشكلة سورية هي نفسها مشكلة العراق الذي حارب وخسر عشرات آلاف وربما مئات آلاف الرجال ابتداء من عام 1980 ولمدة ثاني سنوات، حتى انتصر على المشروع المجوسي وألجمه، وحجمه، وحاصره في بلده لكن قيادته ارتكبت للأسف الشديد الخطأ الفظيع بغزو الكويت الذي مزق الأمة العربية شر ممزق، واستنزف طاقاتها وإمكانياتها، وشتت شملها وأضعف العراق ودمر العمل العربي المشترك في حده الأدنى، والذي كان يثمر رغم محدودية آثاره في ذلك الوقت ما نحلم به ونتمناه الآن كأمة عربية، وأفسح فرصة نادرة وثمينة للمشروع المجوسي لم يكن هو نفسه يحلم بها محطما وبالكلية نصر حرب الثماني سنوات وحاملا للعراق ولبقية بلدان العرب شظايا المجوسية عبر علاقات (طيبة) مع إيران شارك بها الجميع باعتبار أن العراق هو الخطر وأن إيران هي الحمل الوديع المظلوم!

    هنا انتعش جواسيس إيران ودعاة المجوسية، وفي ظل رضى وقبول النظام الرسمي العربي غير الشاعر أو المدرك للخطر، امتطى المجوس جماعة الإخوان المسلمين ومرتزقة وجهلة القضية الفلسطينية، وكان الوقت ثمينا ومناسبا لمد أذرعة قوة إيران الناعمة، ففي اليمن دفع علي عبدالله صالح بحثالات الإمامية والسلالية وأمراض الانتساب العفن لدوحة الرسالة، إلى طلب العون من إيران ردا على تمنع السعودية والخليج بمصالحة اليمن، وتوغلت إيران في قضية فلسطين عبر حزب لبناني عميل رفع شعار الولاء المطلق لما يسمى (ولاية الفقيه).

    وعبر منظمات فلسطينية وعربية أصبحت مسألة فلسطين ورقة إضافية للمشروع المجوسي يلعب بها لفرض نفسه على القوى الغربية، وأفشل العرب دونما وعي سياسة الاحتواء المزدوج التي أعلنها الرئيس الأميركي بيل كلينتون ضد إيران ليبقى الجزء الخاص منها بالعراق الرازح تحت نير العقوبات الدولية، بل وذهب الزعماء العرب وأولهم زعماء السعودية والخليج إلى طهران لحضور القمة الإسلامية الثامنة حيث تحدث (المرشد) علي خامنئي بوصفه قائدا ورمزا من رموز العالم الإسلامي، وباعتبار التشيع الفارسي جزء أصيلا من الأمة الإسلامية!..

    بل في ذلك الوقت الأسود ساوت القوى الناعمة العميلة لإيران والتي صارت تعتبرها بلادها وبلد الحلم بظهور المهدي وجعلت لها ولاءها وعاملتها باعتبارها مرجعيتها الشرعية إلى الحد الذي جعل شيعة الكويت (مثلا) يروجون عبارات منسوبة لكل من خامنئي وسمو الأمير صباح الأحمد، فخامنئي يرحب به - حسب رواية اجتهد الشيعة كثيرا لترويجها -يمنحه لقب (حكيم المنطقة) فيرد عليه الأمير مانحا إياه لقب (مرشد) المنطقة!.. وليقف نائب كويتي متشيع فيعلنها صراحة وعلى رؤوسىالأشهاد بأن مرجعه وقائده هو علي خامنئي!.. وليعلن زعماء حركة حماس الفلسطينية وجماعة الإخوان المسلمين الأمر نفسه بل وما هو أكثر من تزكية هذا المشروع الإجرامي المتحفز لتدمير الأمة والانتقام منها، بل أذعنت الدول العربية وخصوصا الخليجية، لقيادة وتوجيه إيران للمعارضة العراقية في جزئها المتشيع والتابع لإيران والذي قاتل معها في حرب الثماني سنوات ضد (بلده) العراق!.

    قاد هذا إلى وقوع الخطأ الاستراتيجي عندما سمحنا جميعا لأسباب العجز والتخاذل والرغبة قصيرة النظر بالانتقام، بتدمير النظام العراقي السابق، والذي لم يكن سواه قادرا على مواجهة هذا الوباء المجوسي، فسقط العراق ليصبح محافظة إيرانية وميدان انتقام من أهله السنة الأصلاء، فجرى التنكيل بهم وتهجيرهم بعد تدمير مدنهم، وكرد على مقاومتهم الناجحة والأسطورية للاحتلال الأميركي جرى القذف بهم إلى نيران المنظمات الإرهابية السنية التي ترعاها وتدير حركتها إيران، التي كانت تغلغلت في صفوفها وسيطرت عليها إلى الحد الذي كشفته الوثائق الأميركية وقضت بها محاكم مختصة في شأن هجمات 11 سبتمبر 2001، ومما يدل عليه دون التباس أن قيادة (القاعدة) تقيم معظم الوقت في طهران!.

    بالنتيجة أسفر هذا عن قيام هلال مجوسي شيعي شاذ غريب حاقد وإجرامي النزعة، تسلل لوطننا العربي فخدع البعض في شأن فلسطين وزاد من وهم الأقليات الشيعية بأن هذه الدولة هي وطنهم الأم وبلدهم الراعي لأحلامهم، وتوزعت مواقفنا أيضا بين العجز والتخاذل والاستسلام وكأن ذلك القدر مكتوب ولا مناص منه لتتقاطع السيطرة المجوسية على العراق مع تطورات الربيع العربي، فتمتد اليد الإيرانية إلى ما تشاء، وسط شعور شيعي عام عارم بأنها حقبة حكم الفرس للمسلمين بعد أن حكمهم العرب والترك وفق ما قاله خميني على سلم الطائرة العائدة من باريس، وشعور سني مذهول على الرغم من تحذيرات زعماء عرب مثل الرئيس حسني مبارك وعبدالله الثاني من خطر الهلال الشيعي.

    لكن تغيرا حاسما طرأ على الموقف وأظهر النور المبين في نهاية النفق فكانت أول ضربة للمشروع المجوسي في البحرين، ووقع ذلك بقيادة المملكة العربية السعودية في علامة يقظة استجدت.. وفي لحظة حاسمة تم إحباط محاولة المجوسية خلق عراق شيعي ثان في خاصرة جزيرة العرب.

    وعوض أن تتراجع إيران فإنها اختارت ساحة أخطر استراتيجيا من البحرين فقذفت بجماعتها التابعة للسيطرة على صنعاء فكانت عاصفة الحزم لتتبر الأحلام المجوسية بالهيمنة على العمق العميق للعالم السني متمثلا بالبلد العربي الأول.. بلد الكعبة.. فانشغل المشروع العربي المعاكس بقيادة السعودية والإمارات بمعركة مريرة طويلة معقدة في اليمن دونما التوصل إلى نتيجة حاسمة، فبقيت سورية وحدها تعيث بها كل قوى الأرض المعادية والصديقة فسادا وتدميرا، وضمن معادلة شبه ثابتة، فأيران لا تقاتل بجيش مغوار باسل لا نستطيع نحن رده أو أننا غير قادرين عليه.. بل تقاتل وتفرض وجودها عبر عملاء وجواسيس مغروسون بيننا ومعهم حلف أقليات حاقدة على الأمة يعبر عنهم هذا التواصل الاجتماعي بكل جلاء وصراحة ودون التباس.

    لكننا هنا وعلى رغم ما يبدو عليه المشهد من بؤس وسوء لا بد من أن نصل لمقاربة ما نراه من ختام لكل الذي يجري، فكما مشروع الصهاينة على ذكائه وعقلانيته عاجز عن قطف نصر مستقر ثابت دائم في فلسطين يتمثل بالدولة اليهودية، فإن المشروع المجوسي الشيعي في إيران والعراق وسورية واليمن ولبنان يعيش حال انفضاح وخواء مطلق، ولا يملك أمل النصر والفوز لانعدام القدرة أساسا وفي العمق العميق لعقيدته المهترئة، وأحلامه الأساطيرية المريضة والشاذة، فهؤلاء (الصهيونية والمجوسية الشيعية) غرباء على المنطقة وفطرتها وواقعها الثابت، وهو واقع عربي سني، وهذا هو الثابت وهم المتحول الشاذ غير الدائم، ولهذا تجدهما في صيرورة واحدة متشابهة فإسرائيل تئن تحت وطأة استحالة (يهودية الدولة)، فيما المشروع المجوسي لا يقدم غير الخراب والدمار حتى لمنطلقه ومنبعه (إيران وملحقها العراق)، ففي إيران داس الناس صور (المراجع) وأحرقوا الحسينيات، والبلد الآن واقع تحت سلطة ائتلاف أغبياء اللطم، وأبناءهم الفاسدين مع لصوص الأمن والعسكريتاريا (الثورية)، والعراق خزان لهيستيريا جهل وأمية وانهيارات اجتماعية وأخلاقية، وتسوده مذابح الإقصاء الطائفي ويعيش فسادا مطلقا بلا أمل أو مستقبل آمن.

    بالتالي فإن المآل الحتمي لهذه الفوضى هو اندحار المشروعين الصهيوني والمجوسي مهما طال الزمن، ومعهما ستنهار أيضا الأحلام التركية المريضة وجوهرها معاندة حق الأكراد الحتمي، وهو نفس ما سيقع في التفاصيل للأوهام الإخوانية والقطرية التي تمتلك نفس سمات الخيبة المجوسية فيكون هذا هو نصر المشروع العربي.

    سورية تعاني كما عانت عبر القرون، وهي هي كما كانت منذ معاوية رضي الله عنه الجبهة الأولى ضد الروم، وكان العراق مخترقا زمن علي رضي الله عنه من الطاعون المجوسي ولم يستقر لصالح الأمة إلا عندما أدرك الحسن رضي الله عنه بأن سبب ضعف جبهة والده هم المجوس المندسين، فسلم الأمر كمصلح عظيم للأمة لقائد الجبهة العربية الغالبة للروم والنقية من الأثر الفارسي الحاقد فنجم عن ذلك أعظم حقب الازدهار الإسلامي. سورية هي التي صدت الطاعون المغولي المعزز بالخيانات المجوسية، وسورية هي التي هزمت 13 حملة صليبية، ولذلك فإن سورية وأيا التعقيدات الناتجة عن تدخلات المتدخلين (فرس وترك وروس وغيرهم) ستفوز وستبقى كما كانت وللأبد عربية سنية أموية صافية ولو كره الكافرون.. ولو كره المشركون.. ولو كره المنافقون.

    *يوسف علاونه*
    twitter: @alawnay
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام