• مواجهة بين مومس وإسلامي متطرّف على خشبة المسرح في تونس


    المصور: فتحي بلعيد

    A G في جرأة لافتة وبأسلوب لا يخلو من الهزل والسخرية، تضع المسرحية التونسية "الهربة" وجها لوجه متشددا دينيا وبائعة هوى داخل ماخور، في سابقة فنية يراد منها إثارة قضايا الإقصاء والمصالحة مع الذات ودفع المجتمع لمواجهة تناقضاته.
    و"الهربة" مسرحية من إخراج الممثل والمؤلف غازي الزغباني، مقتبسة من نص باللغة الفرنسية للكاتب التونسي حسن ميلي، وهي تكتسب أهمية خاصة في تونس، البلد الأكثر انفتاحا بين دول المغرب العربي، ولكن الأكثر تصديرا للمقاتلين المتشددين إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وليبيا.
    ويقول الزغباني لوكالة فرانس برس بعد انطلاق عرض مسرحيته مطلع آذار/مارس الحالي في مسرح "الأرتستو" وسط العاصمة "بدا لي من الضروري للغاية طرح العديد من الاسئلة الحارقة.... لماذا لا نتحاور؟ لماذا لا نستمع إلى أنفسنا؟ لماذا لا ننظر إلى أنفسنا في المرآة، ونعرّي ما بداخلنا من تناقضات لمعرفة أين نحن وإلى أين نحن ذاهبون؟".
    ويضيف "في هذا العمل دعوة للحوار ورفض الحكم المسبق"، مشيرا إلى أن "التصالح مع الآخر غير ممكن ما لم نتصالح مع أنفسنا".
    تبدأ المسرحية التي تمتد على أكثر من ساعة بمشهد لبائعة الهوى وهي مسترخية على السرير بهدوء، بلباس مغر أسود وأحمر، ثم يدخل بشكل مفاجئ شاب ملتح بزي أفغاني مرتجفا يتصبب عرقا هاربا من رجال الأمن.
    وتَقبَل بائعة الهوى المجازفة، وتخبئه في غرفتها رغم التناقض الشديد بين افكارهما وما قد يشكله عليها من خطر.
    وتقول الممثلة التونسية نادية بوستة التي تؤدي دور نرجس، بائعة الهوى، "رسالتي إيصال صوت هذه الفئة من المجتمع التي تعيش الوجع اليومي بين جدران مغلقة"، مضيفة "أعطيها وجودا حين أروي ألمها وأحلامها وسخطها".
    وتطغى قوة النص المؤثرة والمباشرة على الإخراج البسيط مع ديكور يقتصر على سرير ومرحاض ومغسلة وثلاجة فيها تفاحة وقارورة خمر.
    - بائعة هواء عكس المتداول -
    تفاجىء بائعة الهوى ضيفها بحكمتها وتوازنها وببعد نظرها وإلمامها بما يدور حولها من أحداث، فهي تجادل وتتبادل الحديث عن الحرية والأوضاع الاجتماعية والعلاقات الحميمة.
    وفي ذلك اختلاف عن الأدوار المعتادة التي تختصر المومس بمفاتنها، بحسب الزغباني الذي يؤدي هو دور المتشدد.
    في المقابل، يبدو هو شخصية عاجزة عن تجاوز الأفكار النمطية رغم مستواه التعليمي العالي.
    ويقول المخرج "اختيار الشخصيات ليس عبثيا بل يعكس الكثير من التناقضات التي بداخلنا".
    تواجه نرجس من سمّته "الأزرق"، وتكشف أسراره، فيظهر شابا جامعيا عاطلا عن العمل فاقدا للطموح، أمله الوحيد في مخيمات القتال.
    ويبلغ عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات في تونس قرابة ربع مليون.
    ويرى الزغباني أن "المشكل الكبير في واقعنا اليوم هو عمليات الاستقطاب لا سيما تلك التي تستهدف الكادرات"، وأن التطرّف "لا يخشى السلاح، وإنما الثقافة والفكر".
    وشهدت تونس خلال السنوات الأخيرة تصاعدا في نشاط الحركات الجهادية المسلحة التي شنّت هجمات دامية استهدفت قوات الشرطة والجيش والسياح الأجانب.
    ولقي العمل الذي من المتوقع أن يعرض في كل من فرنسا وألمانيا اعتبارا من أيار/مايو المقبل إعجابا بين الحاضرين، لإثارته موضوعا حساساً في المجتمع التونسي.
    وعلّقت هادية التي تشاهد المسرحية للمرة الثانية "هذا العمل يعالج موضوعا خطيرا ببراعة ورقة وطرافة بعيدا عن الفظاظة".
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام