• سؤال إلى قطر والإخوان المسلمين: الحكم العثماني خلافة أم سلطنة؟!


    بقلم : يوسف علاونه مع أن موقف جماعة الإخوان المسلمين من تركيا لا يستند إلى قواعد فقهية وردت شذرات منها في أدبيات كل من حسن البنا وسيد قطب، وإنما إلى ما استقر من مسارات الصراع السياسي مع الناصرية، فجمال عبد الناصر مع اليونان فالإخوان مع تركيا، وعبدالناصر مع الهند فالإخوان مع باكستان.. وهكذا.. إلا أن السؤال مفيد ولازم:

    هل الدولة العثمانية (خلافة إسلامية) أو سلطنة ومملكة بمواصفات امبراطورية بل وكولونيالية!؟
    أما السؤال الأهم فهو هل الدولة التركية الحالية القائمة على مبادئ هادم (الخلافة) العثمانية مصطفى كمال أتاتورك تقبل المبادئ والمثل التي حكمت الدولة العثمانية التي تتغنى بها باعتبارها جسر عودتها للهيمنة على العالم العربي وصدارة العالم الإسلامي!؟

    والسؤال يجر إلى أسئلة أخرى!

    هل الجماعة متحمسة لرجب طيب إردوغان لأنه يستحق هذا أم من باب المماحكة بالسعودية والإمارات وبقية الدول العربية التي تتوجس من المطامع التركية!؟

    هل أنتم موالون مخلصون لتركيا لأسباب موضوعية تتصل بتركيا نفسها أم هم رد جميل بعد موقف قيادة تركيا من خلع الرئيس محمد مرسي؟.. وإذا كان الأمر هكذا، وطالما أن تركيا لم تغير أسس حكمها العلماني فأين ذهبت بيانات الجماعة التي مكثت تاريخا طويلا وهي تتضامن مع اضطهاد وظلم الأشقاء الأكراد السنة، فيما الجماعة وكافة منصاتها الإعلامية الآن تطبل للهجوم التركي على شمال سورية بحجة القضاء على التهديد الكردي!؟

    قبل هذه التفاصيل لا بد من الخوض في مسألة الخلافة في جانبها (الشرعي) أو العقدي، فالبداية هنا لا بد وأن تعود إلى خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فبحسب ما ورد في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله "اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش, واحتج الصديق بالحديث في ذلك, حتى أن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين فأبى عليهم الصديق ذلك".

    وبحسب معظم العلماء فإن اختيار الصديق كان لأن الصحابة رضوان الله عليهم وجدوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ليصلي بالناس مكانه في مرض موته، فاعتبروا ذلك إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن أبا بكر خليفته، فقالوا: رضي النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟

    وقد ذكر هذا ابن عبد البر في التمهيد عن علي بن أبي طالب، وكذا آخرون وكان منحاهم هذا يُسمى عند جمهور الأصوليين: بقياس الأولى، وهي دلالة النص عند الحنفية.

    أما حديث الإمامة في قريش فمن الثابت قوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش"، والحديث رواه أحمد وصححه الأرناؤوط وهو في الصحيحين بغير هذا اللفظ، وهو ما استدل به أبو بكر رضي الله عنه كما نقله ابن العربي في العواصم من القواصم، كما روى مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".

    وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم" وهذا الحديث متفق عليه.
    وما لدينا من فهم لهذا الحديث ربما يكون سبب سرور لهؤلاء وإن كنت أرجح للعوامل الموضوعية أن قيادة هذا الأمر يجب أن تكون للعرب (إجمالا) وليس لقريش تحديدا وحصرا، طالما أن القرآن عربي، والنبي عربي، والصحابة عرب، والرسالة في أرض العرب، وأبطال الإسلام الأوائل من العرب، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال "الأئمة (من) قريش" وليس (في) قريش، وهنا فإنه صلى الله عليه وسلم لا يقرر تشريعا لزوميا وإنما يقول حقيقة في وجوده ومن بعده، وهي أن القيادة والبروز للرجال من قريش، والدليل على ذلك أن قريش لم تكن واحدا البتة فالتنازع وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وكلاهما ابني عمومة من قريش، وكذا بين الأمويين والعباسيين وقبلهم بين ابن الزبير رضي الله عنه ومروان بن الحكم.

    على أن الدارج والغالب لدى جمهور الفقهاء والرواة أن (الخلافة) في قريش، لتمثل (خلافة) الأعاجم - ترك أو فرس - انتهاكا لهذا، فهي تعارض التخصيص لقريش، والتعميم للعرب، مما نستغرب معه حماس جماعة الإخوان وغيرهم له هذه الأيام، وهم يلهثون وراء مثالهم وخليفتهم رجب طيب إردوغان الجالس على كرسي الحنين لاستعادة الخلافة العثمانية، وخلفه صورة محطمها الفاسق العلماني الخارج من ملة الإسلام، مصطفى كمال أتاتورك!

    ومع الخلاف حول تفسير الحديث لا بد من الإشارة إلى قول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم عند هذا الحديث: "هذا الحديث وأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك من بعدهم"، وقد ذكر بعض العلماء السبب في اشتراط القرشية في إمامة المسلمين، وهو ما لقريش من العصبية التي تكون بها الحماية والغلبة، إذ هي قلب العرب، ومركز إدارتهم، وقد بين ذلك ابن خلدون في مقدمته بيانًا شافيًا، وليُعلم أن الإسلام لا يفرق بين الناس بسبب أجناسهم، ولا أعراقهم، بل أساس الإسلام هو القضاء على هذه العصبية ومحو آثارها، ومن أظهر العلامات على ذلك المؤاخاة التي تمت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القرشيين وغيرهم من العرب والعجم، كبلال الحبشي وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم.

    فالحديث النبوي الشريف كما في صحيح مسلم يقول: "الناس تبعٌ لقريش"، ولذلك تعتبر الدولة العثمانية دولة سلطنة وتسميتها بالخلافة هو تعدٍ على الشرع، من دون أن ينفي هذا أنها دولة إسلامية، ولكنها لم تقم بالإسلام وعلى الإسلام كالدولة الأموية أو العباسية، فالقسوة والجلافة والتعدي كان يغلب كثيرًا في فترات حكمها، رغم بعض المواقف الإيجابية لدى جيوشهم في أوربا ولكن لأن الناس هناك كانوا يعانون من ظلم أشد تاريخيا.

    هل هي خلافة أم سلطنة كسلطنة السلاجقة تحت مظلة الخلافة العباسية، وسلطنة البويهيين، ومملكة الأيوبيين وسلطنة المماليك؟

    لقد دخل الخليفة العباسي أحمد بن الظاهر بالله وهو عم المستعصم مصر من باب النصر وبويع بالخلافة بعد ثبوت نسبه، وبايعه السلطان المملوكي الظاهر بيبرس وبايعه الناس، وخرج اليهود يحملون التوراة، وخرج النصارى يحملون الإنجيل وتمت مبايعته خليفة، وظلت السلطة للمماليك تحت مظلة الخلافة الصورية، وكانت القاهرة عاصمة الخلافة العباسية التي ظلت متوارثة حتى انهزم المماليك على يد العثمانيين في معركة مرج دابق في عهد سليم الأول الذي دخل القاهرة بعدها في محرم سنة ٩٢٣هـ، ثم تنازل له الخليفة العباسي عن الخلافة.

    هذا التنازل هل هو بالإجبار بعد هزيمة المماليك أو لأن الخليفة العباسي أجبر على الرحيل ليرافق السلطان ليحكم تحت ظله كالسلاجقة والمماليك وغيرهم ممن تسلطنوا تحت ظل الخلافة.
    إن ما جرى أو الثابت أن (الخليفة الشرعي) أراد أن يتخلص من هذا العبء فتنازل كي لا يغادر بلده، عالما أن السلطان لن يبقيه في مصر ويعود لتركيا والأناضول فيأتي من يسيطر على مصر ويأخذ الشرعية من الخليفة فتسقط عن العثمانيين!..

    أما آخر سلاطين السلاجقة في قونية فهرب من المغول إلى حلفائه النصارى في القسطنطينية ومات هناك ولم يكن هناك أمير سلجوقي قوي بعده ليرث سلطته، فاستغل عثمان الأول ذلك بعد أن كان ممنوحا لقب بيك من السلطان السلجوقي فقوَّى مملكته ووسعها.

    أما إن استعرضنا بعضا من بعض سجلات (خلافة) بني عثمان فسنجد أن عثمان الأول ابن أرطغرل تزوج نصرانية رومية وزوَّج ابنه أورخان من نصرانية يونانية - المصدر الأصلي المؤرخ د. أحمد الدعيج – ولو توسعنا في السرد التاريخ فسنأتي على مخازي لا يمكن أن تكون لخلفاء يحكمون بما شرع الله ورسوله.

    من هنا فإن الأهداف من إثارة مسألة (الحنين) إلى الخلافة العثمانية تقف وراءها أحلام توسعية تركية يكشفها أولا السلوك السياسي التركي، وتعبر عنها ثانيا منظومة الإعلام التركية وهي تدلي بدلوها في شتى الأمور العربية صراحة أو فلتات.

    وكما نرى أو نلمس الحرص (الإردوغاني) على العلاقة مع إيران الفارسية النزعة، فقد تأثر السلاطين العثمانيين بالفرس وبالطرق الصوفية المنحرفة عن جادة الدين، فبعد أسر فتيان من البلاد التي دخلها العثمانيون جعلوهم في معسكرات ليكونوا نواة لتجنيدهم وتربيتهم إسلاميا وعسكريا، وتم أخذهم إلى الحاج بكتاش شيخ الطريقة البكتاشية وهي طريقة صوفية نصيرية، فكان يمرر ثوبه الواسع على رؤوسهم لكي يباركهم كونهم الجيش الجديد (يني تشاري) ولذلك كان لباس الانكشارية مثل لبس هذا الولي!..

    هذه الحركات البدعية ليست من الإسلام، وفي تاريخ المسلمين نجد باستمرار أن كل من لديه وثنية لديه أصول شرقية من بلاد فارس وما وراءها، وفي مجمل الولاية العثمانية كان لخلفاء بني عثمان تقديس للملموسات، بل لما يمكن أن نطلق عليه (الشركيات).

    وبالنسبة لفتح القسطنطينية فهل كان فتحها على يد السلطان محمد الفاتح فتحا دينيا أم فتحا عسكريا؟!

    صحيح أن شعائر الإسلام دخلت ولكنها كانت مخلوطة بالتصوف، كما أن الفتح الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم لها لا يكون إلا بالتكبير وليس بالقتال، فقد روى أحمد في مسنده والحاكم في سننه وصححه ووافقه الذهبي وصححه كذلك الألباني عن أبي قبيل قال كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية، فدعا عبد الله بصندوق له حلق قال فأخرج منه كتابا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولا، يعني قسطنطينية، وفتح القسطنطينية بالقتال قد وقع على يد السلطان محمد الفاتح، وأما فتحها بدون قتال فلم يقع بعد.
    قال الشيخ أحمد شاكر: فتح القسطنطينية المبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عز وجل، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، وأما فتح الترك الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيدا للفتح الأعظم، ثم هي خرجت بعد ذلك من أيدي المسلمين منذ أعلنت حكومتهم هناك أنها حكومة غير إسلامية وغير دينية، وعاهدت الكفار أعداء الإسلام، وحكمت أمتها بأحكام القوانين الوثنية الكافرة، وسيعود الفتح الإسلامي لها إن شاء الله كما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.

    وسيقع الفتح في آخر الزمان كما رواه مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزولوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها - قال ثور وهو أحد رواة الحديث - لا أعلمه إلا قال: الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا، فبينما يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون.. والله أعلم - راجع موقع الإسلام ويب -

    كما أن الشيخ ناصر الفهد نفى أن يكون فتح القسطنطينية فتحا إسلاميا وشدد على أن الفتح الإسلامي لم يأتِ بعد، لأنه يرى أن عقيدة الفاتحين صوفية وهو فتح عسكري لا علاقة له بالإسلام، ويرى مبالغة المؤرخين في تمجيده.

    الخلاصة أننا نحترم تاريخ الدولة العثمانية كسلطنة إسلامية لا كدولة خلافة، كما كانت الدولة الأموية والعباسية في حقبها الأولى والوسطى، والدليل أن دولة بني عثمان جهَّلت العرب وأفقرتهم ولم تنشر العلم أبدا، فكل المدارس في العالم الإسلامي لم تكن إلا حلقات في المساجد باجتهاد الناس، كما أنها لم تقم شعائر الدين على الوجه الصحيح، وحاربت كل من يدعو إلى تصحيح الدين، ولم يبدأ المسلمون في النهوض إلا بعد زوال هذا الكابوس عنهم بعد حقب من الانحطاط العلمي والحضاري فكانوا يحجزون مياه الحمامات العامة بالكتب لأنهم لم يعرفوا قيمتها في حلب والقاهرة والمغرب وبقية الحواضر العربية.

    *يوسف علاونه*
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام