• مؤرخ روسي يحيي ذكرى ضحايا زمن الرعب في عهد ستالين


    المصور: اولغا مالتسيفا

    A G عمل المؤرخ الروسي أناتولي رازوموف على مدى ثلاثين عاما على الكشف عن أسماء ضحايا الإعدامات في مدينة لنينغراد المعروفة اليوم بسان بطرسبرغ في زمن ستالين، وقد أثمرت جهوده تحديد أسماء خمسين ألفا من هؤلاء.
    ويقول المؤرخ الذي أمضى عمره في هذه المهمة الشاقة "لم أجد منطقا في ذلك، كان الأمر عديم الإنسانية وغير قابل للتفسير".
    وبعد أكثر من ستين عاما على وفاة جوزف ستالين الذي حكم الاتحاد السوفياتي بالحديد والنار، ما زال الحديث عن الفظاعات التي ارتكبت في عهده وملايين الإعدامات والتهجير، مهمة غير يسيرة في روسيا.
    فالسلطات الروسية في عهد الرئيس فلاديمير بوتين تحاول أن تقلل من شأن الصفحات القاتمة من تاريخ البلاد، باسم الوحدة الوطنية.
    رغم ذلك، يعمل مؤرخون ونشطاء على إحياء الذاكرة، ومنهم أناتولي رازوموف الذي أشرف منذ العام 1987 على تحرير سجل من 13 مجلدا لضحايا لينينغراد.
    وفي هذا السجل أسماء للضحايا وتواريخ ميلادهم ومقتلهم، ومهنهم وعناوينهم، في محاولة لإحياء ذكرى أشخاص اختفوا وكأنهم لم يكونوا يوما موجودين، من دون أن يُتاح لذويهم أن يتواصلوا معهم بخصوصية أو أن يعرفوا حقيقة ما جرى لهم.
    ويقول المؤرخ لوكالة فرانس برس "بدأتُ أبحاثي في العام 1987، في مرحلة البيريسترويكا، مذ صار ممكنا ذلك".
    وهو ابن عسكري سوفياتي لم تنل عائلته حظاً من القمع الذي طار الكثيرين، لكنه رغم ذلك أخذ على عاتقه مهمة إحياء ذكرى هؤلاء الرجال والنساء، من عمال ومهندسين وخيّاطين ومحاسبين أُعدموا خلال زمن حملات التطهير إبان حكم ستالين.
    يقع مكتب أناتولي رازوموف في مبنى المكتبة الوطنية في وسط سان بطرسبرغ، وفيه تكتظ الخزانات التي تضم كتبا وسجّلات كانت في أرشيف الشرطة السريّة أو أرسلتها له عائلات الضحايا.
    ويُخرج أناتولي واحدا من هذه الملفات، ليتبيّن أنه عائد لشابة اسمها نينا دوبورفسكايا كانت في الثامنة والعشرين من عمرها حين أُعدمت بتهمة التجسس لبولندا، وذلك في الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر من العام 1937.
    - الرعب الكبير -
    ويقول رازاموف "استمرت المدة التي يطلق عليها اسم الرعب الكبير عاما ونصف العام، حتى خريف العام 1938، كانت الإعدامات تنفّذ فيها بكثرة، كان القتل يحصل كل ليلة، لم يكن هناك محاكم، كان المتهمون يمثلون أمام ممثّل أو اثنين عن الشرطة السرية ومحقق، وكانوا يصدرون الأحكام، كان ذلك أشبه بآلة عقابية".
    يرى المؤرخ أن ستالين والمقربين منه وضعوا "خطة تصفية" أودت بحياة أربعين ألف شخص في لينيغراد.
    يقول المؤرخ إنه لم يحصل على مساعدة من الدولة الروسية التي يصفها بأنها غير مبالية بما حدث في زمن ستالين. بل على العكس، تتعامل الدولة بعدائية مع جهود إحياء الذاكرة.
    وعاد أناتولي في الآونة الأخيرة من بيتروزافودسك حيث كان يقدم المساندة لزميله يوري ديميتريف، المؤرخ والعضو في منظمة "ميموريال" المعروف بأبحاثه عن المفقودين خلال زمن الرعب الكبير.
    ومن المقرر أن تطلق السلطات سراح ديميتريف في آخر الشهر الحالي بعدما أمضى سنة في السجن إثر اتهامات بالتحرش الجنسي بأطفال وجّهتها له السلطات واعتبرتها المنظّمة افتراءات هدفها عرقلة عمله.
    ونادرا ما تشير الدولة الروسية إلى الفظاعات التي ارتكبت في عهد ستالين، وما زال أقارب الضحايا لا يعرفون أين يرقد أحباؤهم وما هي التهم التي أودت بحياتهم.
    ويقول أناتولي "لدي انطباع بأننا نعمل من أجل أشخاص سيريدون لاحقا أن يفهموا" ما جرى.
    ويضيف "أقوم بعملي هذا، وسأواصل القيام بما عليّ القيام به، رغم كل شيء".
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام