• هل انتهت الثورة الإيرانية!؟


    بقلم : يوسف علاونه العنوان نكتة فلا تصدقني! أنا أدغدغ صنوف بشر أولهم (بهايم إيران) الذين يعيشون وهم وحلم دولة الولي الفقيه ومملكة المهدي الذي يوشك على الظهور، فيقيم دولة العدل الإلهي الشامل الذي أخفاه وطمسه (النواصب) أعداء أهل البيت روح (السيد) و (ابن رسول الله) علي خامنئي (لهم الفدا)!.. ومعهم صنف ممن خدعتهم نظرتهم الضيقة فتصوروا دولة الملالي دولة عظمى غير قابلة للسقوط والفشل، وتصوروا باعتبارهم (أهل يأس وتشاؤم) أو أصحاب (جهل في مسارات وحتميات التاريخ) أن دولة الفرس المجوسية الشيعية، غير قابلة للهزيمة بالنظر إلى الحال العربي الذي يعاني العديد من الشروخ، فأفسح للمجوسية هذا التغول والعربدة في فضاء المنطقة بأسرها، فصارت شريك تسويات مع الغرب، وفرضت نفسها كقوة إقليمية تتدخل في شؤون كافة الدول العربية والإسلامية كلما أتيح لها ذلك، حاملة لواء نسخة (إسلامية خاصة بها) ومختطفة الغالبية الناشطة من الأقليات المتشيعة، ومقدمة نفسها باعتبارها الممثل الشرعي والقانوني للتشيع حيثما وجد!

    في الحقيقة وقبل التوغل في فهم الاحتجاجات أو الثورة الماثلة حاليا في إيران، لا بد لنا من المرور على طبيعة النظام الذي يحكم هذا البلد لنفهم عناصر قوته وعناصر ضعفه، فهو وبالمطلق نظام شمولي يقوم على (البعد الواحد) أو نظام الحزب الواحد الذي وإن سمح ببعض (مظاهر الدمقرطة) فهو إنما يمارس فرزا داخليا يحتال فيه على حقيقة كونه وبكافة اتجاهاته من مشارب ومنابت واحدة تقوم على نظرية (ولاية الفقيه) المعروفة، وأنه نظام شيعي طائفي يضطهد المسلمين السنة، ويناهض كل دول الجوار بشكل مباشر أو عبر سياسات ملتبسة فاقدة لعنصر الثقة والأمان، أما على الصعيد العالمي فهو نظام منبوذ ومشبوه ومتهم بدعم الإرهاب.

    أما بنية النظام العقائدية فتقوم على المعممين من رجال الدين عبر (منظمة الملالي) المستحوذة على واجهات الشارع، والذين يستغلون حتى زيهم (العمائم) بمختلف طبقاتها، فيظهرون بالحصيلة العامة، كفرقة ميليشيا طبقية تحصد العوائد والفوائد، جراء ما تفسحه لنفسها من الامتيازات والمكتسبات على حساب عموم المواطنين الإيرانيين.

    ويزيد عديد هذه الطبقة على 400 ألف معمم منهم عدد كبير من ذوي العمائم السوداء الزاعمون بأنهم من (ذرية أهل البيت) وتوجب طقوس دينهم أن يُخاطب الواحد منهم باعتباره (السيد) ابن رسول الله!.. حيث كلمته بهذه الصفة لا تُصَد ولا تُرد!

    وفيما ينشغل هؤلاء بقيادة (المشاعر) (الإيمانية) الخاصة بهذا الدين الذي يجعل من الإسلام عقيدة عائلية طبقية بالمخالفة مع أبسط النصوص والقواعد الشرعية، فيعتلون المنابر ويتصدرون المناسبات كحكواتية (رواة) و (رواديد) لقصص البكاء واللطم وتجييش المشاعر، فإن أقاربهم المباشرين ينخرطون في أعمال السياسة والاستثمار والإدارة واستغلال مؤسسات (الدولة) كطبقة محظية تهيمن على المناصب والرتب والمصالح العامة للبلاد وتحتكر العوائد والأراضي والإعفاءات وشتى أنواع الامتيازات مقابل غالبية الشعب العظمى التي تعاني من الفقر والجوع والمرض والذل والتهميش.

    ولأن طبقة رجال الكهنوت هذه فاقدة لأبسط المدخلات الحضارية والإنسانية باعتبار أن جل (ثقافتها) مبني على خرافات وروايات ما أنزل الله بها من سلطان، فضلا عن سمتها العدائية والحاقدة والإجرامية، فإن المخرجات الناجمة عنها لم تكن وبالمطلق غير تخلف تام في شتى القطاعات إلا ما نجا منها بأعجوبة وجراء العامل العنصري الآخر وهو (التعصب العرقي الفارسي)، ولهذا رأينا إيران منذ مجيء (طاعون الخمينية) عام 1979 تتخلف عن ركب المدنية الإنساني، فمؤسسات الدولة فاقدة للأهلية والجدوى، وتعشش فيها بيروقراطية تنتمي إلى العصور الوسطى، وتتبع أساليب وأنساق عمل بائسة، ومن ذلك (مثلا) القطاع النفطي الذي يستحق أن يرسل إلى الخردة بالكامل، رغم كونه المورد الأساسي لطاقة النظام الاقتصادية، ليستثنى منه ما جرى نهبه من العراق تحت نظر وسمع وموافقة العملاء الذين ثبتتهم حقبة التقاسم والتفاهم والإفساح الأميركية - الإيرانية ليحكموا العراق مع أنهم كانوا جنودا في جيش إيران ضد (بلدهم) العراق خلال حرب الثماني سنوات! ومثل هذا الحال ممتد لباقي مظاهر المعيشة حيث المؤسسات متهالكة والخدمات في حاجة لعملية إعمار شاملة.

    هذا الركام لم يكن ممكنا له أن يستمر من دون قبضة حديدية بوليسية إجرامية، أفرزت هيمنة القوة التي يستند عليها المرشد خامنئي، وهي قوات التعبئة (الباسيج)، مع فريق اقتصادي يقوده ابن خامنئي شخصيا ويسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد الإيراني.

    ولهذا لم يكن مستغربا أن إيران تقف في مقدمة لائحة الدول في نسبة المحكومين بالإعدام، وعدد السجناء وتقييد الحريات (وسائل التواصل الاجتماعي - مثلا - محظورة بشكل شبه كلي) وكذا اضطهاد الأقليات الدينية والعرقية أو تحجيم أدوارها.

    ومثل هذه البنية الايديولوجية والسياسية كان حتما أن ينتج عنها حروب خارجية متصلة تستنزف أموالا كثيرة في الإنفاق على الميليشيات، وجهود نشر الدين الفارسي في دول الجوار وعلى امتداد العالم الأمر الذي يرهق أثقل الاقتصاديات فكيف الحال باقتصاد حرب مهترئ وخرب!؟ وأسفر هذا عن انهيار للعملة المحلية، ومعدلات تضخم قياسية، وبطالة تعدت 20% من الأيدي العاملة علاوة على ظواهر اجتماعية خطيرة مثل وجود نحو 1.25 مليون طفل مجهول الأب، وإصابة ربع مليون نسمة بالإيدز وانتشار المخدرات والمؤثرات العقلبة، وارتفاع معدلات الإلحاد ونبذ الدين، وانتشار مدن الصفيح والمهمشين، وكذا هجرة العقول إلى الخارج!

    إن مثل هذا الركام ومن دون تفاصيل لا يلزم معه التساؤل هل ستستمر الثورة أم يتم إخمادها!.. فما جرى لم يكن مظاهرات احتجاجية وإنما انقلاب شامل وجذري ضد النظام ابتداء من لبه الكهنوتي، وانتهاء بما أنتجه من صعوبة العيش بأبسط الاحتياجات، ولهذا رأينا الناس أول ما هجمت على الحسينيات وما يسمى (الحوزات العلمية) وطاردت المعممين في الشوارع، وهذا وحده مؤشر على أن الشعوب الإيرانية لا تريد حتى هذا الدين وهي كفرت به وعافته، وبالتالي فإن محاولة النظام جعل الاحتجاجات وكأن سببها سياسات وسلوك (جناح) من النظام (المحافظون) لصالح (الإصلاحيين) لن تفيد ولن تمر، فبقدر ما يتجه الغضب نحو (المرشد) خامنئي فإن (الرئيس) روحاني لا يمثل حلا عند الإيرانيين.

    هذا بالطبع لا يجعل المراقب ينكر أثر سطوة النظام وقوته في كبح جماح الثورة وتحجيمها كحدث مهيمن جراء الستار الحديدي المضروب بوجه وسائل الإعلام، ومعه تيار عريض من السياسات الإقليمية التي لا تريد انهيار النظام خشية استفادة الدول المناهضة في المنطقة وعلى رأسها دول التحالف العربي، لكن الحقيقة المؤكدة هي أن كل ما سبق ذكره من علل هذا النظام القاتلة لا توجد لها حلول إلا عبر زوال النظام كليا، وهذا هو الذي سيحدث طال الوقت أو قصر، سواء أقبل ذلك ذوو الأهواء ممن تتعلق أحلامهم ببقاء هذا النظام المزعج، أو لم يقبلوا، فقوة محور تركيا وقطر والتيار الذي يسانده (مثلا)، غير ذات معنى طالما أنها تتوسل بقء نظام بائس لينوب عنها في استنزاف القوة البديلة التي لا أحد غيرها يملك الوعود الحقيقية بالأمن والاستقرار!

    *يوسف علاونه*
    twitter: @yousef_alawna
لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام