• سلمان بن عبدالعزيز في موسكو.. زيارة أكثر من مهمة


    بقلم: يوسف علاونه سيكون يوم 5 أكتوبر 2017 مسجلا كيوم مهم على تقلباتها المختلفة، مع مفارقة لطيفة وهي أن روسيا الشيوعية (الاتحاد السوفياتي) كانت على صلة وثيقة بالمحور العربي اليساري القومي العسكري بينما روسيا (شبه القيصرية) تبدو أقرب للمحور العربي المحافظ منها إلى المحور (التقدمي) الأول.

    تصدر هذا اليوم الذي هو من ثلاثة أيام هي مدة زيارته إلى موسكو زعيم عربي كبير في سن الكهولة، عركته الأيام وعايش أعتى التحولات الإقليمية والعالمية، وكان أميرا لعاصمة خمسة من الملوك الذين سبقوه، هم إخوته الذين حكموا بلاده قبل أن يتولى الدفة فيها، وكانت لهم أدوارهم التي اتسمت دائما بالسمات العالمية كون بلدهم تحتضن وترعى أقدس مكانين لدى المسلمين.

    إنه سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي وجد نفسه وسط الأزمات الإقليمية الناشبة في حومة صراع وتنافس بين عدة مراكز قرار طامحة، تتزاحم على ريادة العالمين العربي والإسلامي، ضمن ما يتصل بمشروع يخص الأمة بأسرها وهي تتطلع لاستعادة دورها وأمجادها السالفة.

    بينما كنا نتابع وصول الرجل الكبير، بخطواته المتثاقلة إلى موسكو، والتي نعرف بردها وصقيعها وصعوبة هوائها اللاسع، كنا نغبطه ونزداد إعجابا به، بل ونتمنى لو أنه كان ملكا وهو في الخمسين من عمره. سجل سلمان بن عبدالعزيز بهذه الزيارة التاريخية وبتوفيق الله ورعايته اسمه بكلمات مضيئة، مكملا أوراق السعودية على الطاولة العالمية، كدولة مؤثرة ضمن التوازنات المهمة، وأول ذلك أن المملكة العربية السعودية ليست محكومة لعلاقة استراتيجية واحدة تنحصر مع الحليف الأميركي، فاليوم هناك امتدادات وصلات مع كل القوى العالمية الكبرى، وبأفق مفتوح نحو شتى أنواع التعاون التي تراكم منجزات خطيرة لصالح السعودية ودورها.

    والواقع أنه كلما تعدد الأقطاب، وتنوعت الصلات وتوسعت الخيارات كان هذا أفضل وأكثر توفيرا لأرضيات التحرك ورسم السياسات وتحقيق الأهداف المرسومة وبكل حساب. وأول ما تظهره زيارة موسكو الطامحة لاستعادة دورها العالمي المؤثر، هو أن الرجل (سلمان) يتحرك وفق عقل استراتيجي بكل ما في الكلمة من معنى، وسوف تدور الأيام ليثبت أن خططه بعيدة المدى هي ما كانت تحتاجه الأمة لقهر أعدائها المتربصين، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم.

    وفي هذا الشأن نحن أمة لن يكف عنها أعداؤها في أي وقت وتحت أي ظرف، والدور الذي تمارسه السعودية اليوم في طليعة أمتها لا بد عنه كأفضل وسيلة للدفاع والتمكين، وأول هذا التمكين هو البناء والتطور والنهوض المدني والعمراني والحضاري، وهذا لن يتحقق إلا بالمزيد من التحالفات والتعاون مع القوى العالمية، وعلى شتى الأصعدة.

    وإزاء ما يتصل بهذا فإنه وعلى الرغم من كل التفاصيل المربكة، وتمنُّع حصول (نصر تلفزيوني) مستحق على أي من الجبهات، فالواضح أن المشروع الإيراني قد أخفق، وأنه يترنح ولا مستقبل له، لأنه لم ينجز شيئا حقيقيا على الأرض غير التخريب والدمار ومن دون أن يحصد أي منجز حقيقي على الأرض. وفي آخر التطورات أظهرت المسألة الكردية، وبكل جلاء، أن العداوة الفارسية المجوسية، والغيرة التركية كبرهانين على قوة المشروع العربي وحيويته. فاليوم وبالضد من المعتاد من طرفي الفرس والترك من منافسة وتناحر على احتواء العرب والسيطرة عليهم (ولو بقيادتهم الإسمية والمعنوية) نتلمس بوادر حلف شعوبي بينهما، حيث تبين بعد استفتاء أكراد العراق على الاستقلال، أن هناك استرخاء سعوديا تجاه مخاطر التقسيم، في مقابل ذعر إيراني وتركي مزدوج.

    هذا يعني أن ما كان يجري أو ما هو مألوف من مثل معادلة تغليب الفرس على العرب (ولو باطنيا) باستنساب أم المأمون، أو تغليب نظرائهم الترك باستنساب أم المعتصم، قد انتهى إلى غير رجعة، وعبر دور عروبي يتصدى له آل سعود وبلادهم السعودية.

    وهذا يعني أن الأمة العربية بعقيدتها السنية الثقيلة الثابتة، تؤكد وجودها ضد النزوعين المزدوجين إن بالتشيع الصفوي أو بالولاية العثمانية. وهذا هو التاريخ، وهذه أحكامه ومن لا يرى الأمور بهذا المعيار التاريخي يضحك على نفسه ويطارد خيوط دخان منسوجة من الأحلام غير الواقعية والغريبة. على أنه وانطلاقا من هذا ستستمر العداوة المن ستستمر العبث القطري حاصدفارسية الضارية، وستتواصل الغيرة التركية من الدور السعودي المتنامي، وللأسف ستظل دول أقل حجما مثل الشقيقة قطر على أوهامها غير القابلة للتحقق، دون وعي أن أسوأ السياسات في التاريخ هي التي تعاند التاريخ وتناكفه.

    وهكذا وفي سياق المناخ الذي تعززه العلاقات السعودية المتشعبة على المستوى العالمي - بمعطيات حقيقية وعلى الأرض، وليس في المعنى الإعلامي والترويجي فقط – يثبت أن المشروع الشيعي الصفوي الفارسي المجوسي غير مالك للأهلية المطلوبة للسيطرة على هذه البلاد وتسيدها وإدارة شؤونها وتبوّء طليعتها وصدارتها، كما أن المشروع التركي الطامح لاستعادة حقبة الاستعلاء على (الولايات) العربية التابعة، لا يبدو مالكا للقدرة على ذلك مهما تعززت أوهامه وخيالاته.

    العرب اليوم ليسوا إمارات مملوكية متناحرة مهشمة، خلف ستارتها خليفة عباسي ذليل مسكين فاقد للأهلية في يلفظ أنفاسه الأخيرة في بغداد، وأمته ضائعة سحقها التمذهب والأمية، فيقوم بكل سهولة بالتنازل عن (الخلافة) للسلطان العثماني. والعرب اليوم في ذروة الوعي اللازم لهزيمة وتكسير أوهام المشروع الفارسي الصفوي الذي يجدف في بحر من الظلمات التي تجاوزها الزمن وأفنتها الحضارة.

    في العرب اليوم دولة سعودية عظمى آمنة مستقرة قوية مهابة، يضرب زعيمها على الطاولة الدولية بثقل غير هين أو بسيط فينصت له العالم كله. شكرا سلمان بن عبدالعزيز، والله نسأل أن يمد في عمرك، ويحفظك من كل مكروه.


    *يوسف علاونه*
    twitter: @yousefalalawna
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام