• العقدة النفسية الفارسية تجاه العرب وانعكاساتها على تشيع ولاية الفقيه الإيرانية


    بقلم: يوسف علاونه لن تفهم أحداث المنطقة دون أن تفهم القصة الحقيقية لدين الإسلام.

    فالإسلام دين لكافة البشر نعم، ولكنه دين له أهله ولغته ومركز ثقله الدائم ومستقره في الأرض تكون كالشمس يبلغ إشعاعها جميع الآفاق.

    وعندما تشرق الشمس على سيبيريا فلا ينبغي أن تذهب لتسكن هناك، وإذا حدث ودخلت الصين في الإسلام فلن يتم نقل الكعبة إليها لمراعاة توازن السكان!

    ذلك أن الله الذي أرسل نبيه إلى العالمين اختاره من أرض ومن قوم، فكان هو وأهله عربا، وكان صحابته من العرب، وكان جيشه الأول من العرب.

    والذين حجوا مع النبي في حجة الوداع كانوا 140 ألفا لم يكن بينهم فارسي واحد ولا تركي واحد، ولا صيني أو هندي أو ياباني أو فنلندي واحد.

    كان جميع هؤلاء إطلاقا من العرب، ليس بينهم مترجم، ولا وافد غريب، وكان النبي يخاطبهم جميعا بنفس اللسان.. والمشكلة فقط عدم وجود مكبرات للصوت!

    وكيف يصل صوت النبي إلى 140 ألفا ينتشرون على مساحة نحو كيلو متر مربع واحد على صعيد عرفات؟

    كان يقول الذي يقول بصوته المعتاد المعروف والمألوف وبين يديه صاحب صوت جهوري يصرخ بما قال النبي، يقول له قل لهم إنه يقول، فيردد نفس كلام النبي: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لكم.

    ولهذا تجد في البخاري ومسلم وبقية الصحاح روايات خطبة الوداع ذاتها متعددة بين تقديم وتاخير وبين وصف وآخر، لأن الـ 140 ألفا ما كانوا في مجلس واحد أو على مسمع صوتي واحد!

    فلما تفرق الحجيج ومر وقت قصير مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم كان هؤلاء هم وقود الإسلام فاستشهد منهم نحو 85% وبالاسم والنسب، كما تظهر كتب الأعلام والأنساب، فكانوا هم وقود وبيضة الإسلام، فهزموا أولا المرتدين، ثم تمددوا بدينهم المبارك على امبراطوريتي الروم والفرس فسحقوهما سحقا ومحقوهما محقا.

    ولم يكن بين هؤلاء فارسي واحد، ولا تركي واحد، ولا ياباني واحد، ولا صيني أو هندي أو سويدي أو يوناني أو بورتوريكي أو جورجي أو بيروفي واحد.

    ولم تنزل الرسالة على النبي العربي سرا، ولم يجعل الله قرآنه بلسان عربي مبين مداراة وخجلا، ولم يعتذر عن ذلك لكل أمم الأرض لأنه ميّز العرب.

    ولهذا فكل الروايات والأحاديث والتأويلات والأمثولات، والبطولات، والرموز، والتضحيات، والأمجاد، وما يفتخر به، وما تكبر به النفوس منسوب للعرب، والمعارك الأولى الحاسمة للعرب، وعند البحث عن النص القطعي الدلالة ينبغي أن تكون عربيا يتقن لغة العرب، تمام كما هي الصلاة بالعربية، وكما هو تلبية الله إبى الحج بالعربية، وكما الدعاء والمناجاة والترتيل والتجويد، وكما هو الانتماء حتى بأسماء البنين والبنات كلها عربية وللعرب!

    ولحظ النبي صلى الله عليه وسلم هذا وهو يودع الناس في خطبة الوداع!

    ولهذا أفرد له جانبا من خطبته الخالدة الختامية، كي لا يرى العرب أنفسهم على الآخرين أبدا.

    والنبي يعلم لمن يتحدث، فكل من في الجمع عرب إلا اثنين أو ثلاثة، سيدنا صهيب وأصله عربي، وسيدنا سلمان لا يتحدث غير العربية، وسيدنا بلال حبشي ولا يؤذن بالأمهرية!

    أما البقية وهم 139 ألفا و 997 فكلهم من العرب لا يعرفون غير العربية، وليس من منتظر لهم في مناطقهم حيث سيرجعون إلا العرب الصفاة الأقحاح.

    قال النبي لهؤلاء العرب (أيها الناس) فلم يقل ايها العرب، وخطاب الحج بالمجمل للناس وليس حتى للمسلمين حصرا، إلا لكون الإسلام شرط استحقاق وأهلية للحج، فكذا القرآن لا يشير للحج إلا بكونه دعوة وأذان للناس، فليس من آية واحدة في الكتاب تذكر الحج إلا بصفته دعوة للبشرية أن تأتي إلى بيتها الأول.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب وإن أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى.

    ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أيضا أن العروبة ليست دما، أو نسبا فقط، وإنما فوق ذلك تتسلح بكتاب هدى لا يضل ولا يتبدل ولا يتعدل، وليس مسلما إلا من يعرف لغته، ومن يعرف لغة الكتاب فلا بد أن يحب أهل لغته، وتاريخهم، وسيرهم، وأمجادهم، وسابقاتهم، وأفضالهم، وتضحياتهم، ودماءهم التي سالت ليصل إليه الدين.

    وهذه هي الفطرة، فالإسلام دين له من الصفو واليقين ما ينزع من القلوب الغل والغيرة والحسد، فالويل كل الويل لمن يكون مسلما ويكره العرب!

    إذ كيف تكون مسلما تخشع للقرآن ويتهدج صوتك وأنت تتلوه بلغة محمد بينما أن تقدم لغتك على لغة العرب!

    كيف يستقيم هذا إن قدمت أصلك على أصل العرب؟

    لكن طبيعة البشر تأبى إلا أن تعاكس هذا، فالعصبية بين الناس لا يمكن أن تنتهي، ولهذا رأينا الشعوبية الفارسية أول من أطل برأسه بالزلل، ليتطور الأمر عبر التاريخ ورداء التمذهب إلى ما بعد الزلل وهو الضلال، فيتم الإصرار عليه بتلبيسه الرداء القومي المناهض للعرب أهل محمد صلى الله عليه وسلم.

    وهذه الشعوبية لا تريد أن تفهم أن (اصطفاء) الله وتمييزه للعرب قُضي وانتهى أمره، وثبت، وصار من جملة إرادات إلهية رسمت سنن الخلافة في الأرض، فلو أسلمت الصين وامتد إسلامها لتريليون سنة أخرى فلن تنجب الذي أنجبه العرب مثل ابو بكر أو عمر أو عثمان أو علي ألخ رضي الله عنهم أجمعين.

    ولو صار سليمان القانوني هو خليفة المسلمين وبنفس الاسم مكرر 30 ألف مرة فلن نصلي لله ونتعبده بالتركية وسيعظم شأن سليمان التركي كلما استعرب أكثر.

    ولهذا ترى الفطرة تعبر عن نفسها بقول ذلك الحكيم الفارسي عندما فهم الإسلام نقيا صافيا، وقبل أن تنشب العصبية الشعوبية المبغضة للعرب فقال: لأن أُسبَّ باللغة العربية خير لي وأكرم وأشرف من أن أُمدَحَ باللغة الفارسية.

    وهذا هو الحق القويم ففي الإسلام لا لغة تعلو على لغة النبي صلى الله عليه وسلم.

    هكذا فهم الأوائل الدين الإسلامي، ولهذا لن تجد عبقريا فارسيا في حضارة الإسلام ممن صاروا أئمتنا وعلمائنا كان يؤلف أو يعلمنا بلغة فارس، وهكذا لم يدخل سيبويه لغته في القواعد والنحو بكتابه الذي يعد (قرآن) لغة الضاد من باب المزاوجة والمساواة بين قوميتين.. قوميته هو وكسرى وقومية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم!
    أبدا.

    كان معنى أن تصير مسلما هو أن تصير عربي اللسان وتجتهد في ذلك حتى وأنت تعتز بأصلك وبارضك وثمارك وبيئتك وهوائك وسمائك وطيب نسبك.

    ولهذا لم ينازع العرب السلطة أحد، ولم يتجرأ على طلبها لنفسه أحد من غير العرب، فكان الراشدون من الخلفاء في الحقبة الأولى كلهم كبار صحابة، ثم كانت الدولة الأموية خاصة كالماء القراح الزلال المصفى من العرب، يدخل في الإسلام من يشاء من الأقوام فيستعربون لأن الدواوين نفسها تعرّبت، حتى جاءت الحقبة العباسية ولظروف انطلاق دعوتهم من بلاد فارس صعد الدور الفارسي قليلا كبيئة حاضنة فلما تغول عبر البرامكة جرى سحقه.

    لكن عامل العصبية ظل يعتمل متلبسا الضلال.

    فالغيرة والحسد أهم محرك في سجل التاريخ، ونازعة الكفر والضلال في فارس كما غيرها ظلت تغار من العرب، ولأن قومية فارس لا يمكنها هزيمة قومية العرب لفقدانها أدوات البقاء والقدرة بل مجرد التكافؤ، كان مدخلها إلى الدين هو الأقرب والأوجع، فبدأ الأمر باستلال نسل من النبي محمد من بين (آل البيت) وتقريبه للنفسية والقلب الفارسي حتى يتقدم من عداه ممن يفاخر بهم العرب وأولهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

    وترى في التطبيق العملي الختامي لهذا أنك يجوز أن تصلي وتسلم على كل من فاطمة وعليا والحسين.. ألخ منفردا كل منهم، لكن لا يجوز أن تفعل هذا للنبي (صلى الله عليه وسلم) وحده!
    تذكر عليا، فتقول صلى الله عليه وسلم!.. وكذا فاطمة والحسن والحسين وحتى خامنئي.. جائز وحلال ومستحب.. ولكن الصلاة والسلام على النبي وحده فلا!
    هنا من يصير الأفضل!؟
    من هو الأساس؟
    ولذلك هناك روايات معلنة في أمهات الكتب الفارسية تفيد بأن الله خلق الكون كله من أجل فاطمة وأبناءها!
    أين هذا في القرآن؟
    ما مبرره ولماذا؟
    ولماذا تحدث الله في القرآن عن خلافة آدم في الأرض ولم يأت على ذكر فاطمة وأبناءها وخلقهم قبل خلق آدم!؟

    عندما زرت طهران أشفقت على (الإمام) الحسن فهو لا يكاد يذكر، وبينما كل الميادين والمرافق تحمل اسم (الإمام) الحسين باسم الحسن شارع واحد فقط!

    وعندما نقبت ودققت في المسألة لم أجد أية أفضلية للحسين على شقيقه الأكبر الحسن، فهو (الإمام) الثاني بينما الحسين الثالث ولم يصبح خليفة مثله!

    لكني وجدت مسألة متغلغلة في الوجدان الفارسي وهي أن زوجة الحسين أم (الإمام) الرابع هي ابنة كسرى نفسه، فهكذا صار الحسين هو الأقرب والأولى!

    احتلت شاه زنان بنت يزدجرد بن أنوشروان الملقبة بملكة النساء موضعا مقدسا في نصوص كثيرة مع لمجرد أنها صارت أم علي (زين العابدين)، وكانت (شاه) ابنة آخر الأكاسرة ولقبت بـ (شاه زنان) وأسماها علي بن أبي طالب مريم، وفاطمة وخولة وسلافة أو غزالة كما يرد في عدد من المصادر.

    وهي تعد جدة ثمانية من (الأئمة) لدى التشيع الاثني عشري الذي يصدق أكثر شيء فيه القول بأنه (التشيع المجوسي)، وأقل من ذلك بالطبع لدى التشيع الزيدي، كذا الإسماعيلي، وتشيعات أخرى انقرضت.

    وفي مصادر ورد أن العرب لم ترغب في زواج إنجاب من الجواري حتى ولد زين العابدين فأقبلوا على الزواج منهن ولم يكن هذا التعظيم الوحيد لها، بل قيل مديح أعم اعتبرها خيرة الفرس باعتبار أن زين العابدين من خيرة العرب هاشم ومن خيرة الفرس ابنة كسرى!

    وفي المصادر الشيعية أنها أرسلت مع من أرسل من سبي وغنائم فارس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فنظر لها الناس وظنوا أنها ستعطى إلى علي!

    وتنقل الرواية الشيعية أن عمر بن الخطاب لم يخصها لنفسه أو لابنه بل رجح أهل بيت النبوة فأعطاها للإمام الحسين وهذا موجود في الكافي للكليني.

    وفي الكليني بدأت عملية (التعظيم والقداسة) لملكة النساء.. إذ يقول: "لما قدمت بنت يزدجرد على عمر أشرف لها عذارى المدينة وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته"!

    والحقيقة أن المسجد أو البيت أو أي مكان لم يشرق بنور فاطمة أو أي من بنات النبي الأخريات أو خديجة أو عائشة أو حفصة أو أيا من أمهات المؤمنين قبل هذا.. رضي الله عنهن أجمعين!

    ويمضي الكليني بروايته: فلما نظر إليها عمر غطت وجهها وقالت أف بيروج باداهرمز فقال عمر: أتشتمنى هذه وهمّ بها فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ليس ذلك لك خيرها رجلا من المسلمين وأحسبها بفيئه فخيرها فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الحسين عليه السلام فقال لها أمير المؤمنين: ما اسمك فقالت جهان شاه فقال لها أمير المؤمنين بل شهربانويه ثم قال للحسين يا أبا عبد الله لتلدن لك منها خير أهل الأرض فولدت على بن الحسين عليه السلام، وكان يقال لعلي بن الحسين عليه السلام ابن الخيرتين فخيرة الله من العرب هاشم ومن العجم فارس!

    وروي أن أبا الأسود الدؤلي قال فيه شعرا: وإن غلاما بين كسرى وهاشم.. لأكرم من نيطت عليه التمائم!..

    فهكذا صار للفرس ببيت النبي سهم وحصة!

    أما المجلسي فذكر القصة في كتابه (جلاء العيون) ولكنه صحح الروايات التي جاء بها المفيد وابن بابويه بأن شهربانو لم تكن سُبيت في عهد عمر، كما ذكر المفيد ولا في عهد عثمان كما ذكره ابن بابويه القمي بل كانت من سبايا عمر كما روى القطب الراوندي وهي ىالرواية التي يقر فيها المفيد بأن قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وزين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم هما ابنا خالة.
    راجع كتاب جلاء العيون للمجلسي الصفحتين 673 – 674 وعدة مواضع في الكافي وسواه.

    وفي مصادر متطابقة (شتى) أن السبي من فارس لما ورد أراد عمر بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيدا فذكره علي بإكرام كل كريم ولو كان مخالفا، فقال عمر قد سمعته صلى الله عليه وسلم يقول إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم فقال علي: هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ورغبوا في الإسلام ولا بد أن يكون لي فيهم ذرية وأنا أُشهد الله وأُشهدكم أني قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله فقال عمر قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصني وسائر ما لم يوهب لك فقال أمير المؤمنين (يقصد عليا) اللهم اشهد على ما قالوه وعلى عتقي إياهم فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء فقال علي هن لا يكرهن على ذلك ولكن يخيرن ما اخترنه عمل به فأشار جماعة إلى شهربانو بنت كسرى فخيّرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور فقيل لها من تختارين من خطابك وهل أنت ممن تريدين بعلا فسكتت فقال علي قد أرادت وبقي الاختيار وبعدها أومأت بيدها واختارت الإمام الحسين فأعيد سؤالها فأشارت بيدها وقالت هذا إن كنت مخيرة وجعلت أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) وليها، وتكلم حذيفة بن اليمان بالخطبة!

    المصادر:
    - عمدة الطالب في أنساب أبي طالب - الفصل الثاني تحت عنوان عقب الحسين ص192
    - الأصول من الكافي ج1 ص 467
    - ناسخ التواريخ ج 10 ص3، 4

    نحن إذن أمام عقدة تاريخية لا حل لها، فهؤلاء يشعرون بنقص أمام العرب تداعى حتى أضحى شعورا بالنقص أمام بيت النبوة فجرى فبركة بيت جديد للفرس فيه حصة معتبرة، بعضها يستحق اللطم، والآخر يستحق أن ينسى ولا يذكر إلا لماما!..


    *يوسف علاونه*
    twitter: @yousefalalawna
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام