• مصلحة الأمة وقطع دابر الفتنة حق واجب على الحاكم


    بقلم : يوسف علاونه ونحن نراقب الوضع في صورته الإجمالية لا بد من أن نلاحظ أن المملكة العربية السعودية الآن وفي هذه المرحلة بكل تفاصيلها هي الطرف الأكثر تعرضا للاستهداف، وواضح أن هذا الاستهداف يريد خلخلة استقرار السعودية وإحباط جهدها القائم كدولة محورية مؤهلة لقيادة الأمة ومن ثم التوصل إلى واقع مؤسف تنكفئ فيه كافة البلدان العربية على نفسها وإلى الحد الذي يسمح بتمرير ما يخطط له هؤلاء تمهيدا لظهور مهديهم لوراثة الأرض وما عليها كما يزعمون!

    إن ما يحقق الغرض الذي تتكاتف من أجله شتى مكونات الحلف القائم ضد الأمة هو عدم وجود أي بلد عربي يمكنه أن يمضي في طريقه قدما ليبني ويتمكن ويشرف على مستقبل مأمول يستعاد فيه المناخ اللازم لأداء الرسالة الإسلامية المستحقة عبر دولة قوية تصون الشريعة وتحفظ الحقوق ضمن مجتمع صحي وكيان مؤهل على حمل الأعباء وأداء الأمانة.

    من الواجب هنا تجديد التذكير في ذهن الأمة على واجبات الحاكم المسلم حيث أوجبت الشريعة على الخليفة عديدا من الواجبات التي ينبغي عليه الجد والاجتهاد في تحصيلها حتى يكون لمنصبه الفائدة المطلوبة، وتبيان ما جعلت (الشريعة) له (الخليفة - الحاكم- ولي الأمر) حقوقا على الرعية حتى يتمكن من القيام بما وجب عليه على الوجه المرضي.

    من الواجبات المترتبة على (السلطان) واجبان أساسيان يلزمه القيام بهما، وهو ما نصب في منصبه إلا من أجل تحصيلهما وهما:

    ‏‏1- حراسة الدين وحفظه، وهو أهم ما يعتنى به ويحافظ عليه.

    ‏2- سياسة الدنيا به

    ‏إذ لا تمضي الأمور على الاستقامة وتتحقق الأهداف العامة إلا بذلك،‏ ويتفرع عن هذين الواجبين أمور كثيرة أجملها الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية في باب: (مهام الخليفة ومسئولياته)، ‏قال رحمه الله: والذي يلزمه من الأمور العامة عشرة أشياء:

    * الأول: حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة، ‏فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من حقوق وحدود ليكون الدين محروسا من خلل والأمة ممنوعة من زلل، ومن هنا يتبين أن ما قامت به المملكة من حجز بعض مثيري الفتن من الدعاة أمر شرعي وليس ظلما وهتكا للحرمات.

    * الثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعم النصفة (العدل) فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم.

    * الثالث: ‏حماية البيضة والذب عن الحريم، ليتصرف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.

    * الرابع: إقامة الحدود، لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.

    * الخامس: تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرما، أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما.

    * السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة، ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدين كله.

    * السابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير خوف ولا عسف.

    * الثامن: تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، ودفعه في وقت لاتقديم فيه ولا تأخير.

    * ا‏‏لتاسع: استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من أعمال ويكله إليهم من أموال ليكون العمل بالكفاءة مضبوطا والمال بالأمناء محفوظا.

    * العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة، ‏فقد يخون الأمين ويغش الناصح، وقد قال الله تعالى "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله"، ‏فلم يقتصر الله سبحانه على التفويض دون المباشرة ولا عذره في الاتباع حتى وصفه بالضلال، وهذا وإن كان مستحقا عليه بحكم الدين.

    * ومنصب الخلافة، ‏فهو من حقوق السياسة لكل (مسترعٍ)، قال النبي صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.

    ‏انظر: الأحكام السلطانية (ص 40).

    ‏وخلاصة ما قاله الإمام الماوردي رحمه الله أن واجبات السلطان تتنوع، فمن هذه الواجبات منها ما هو ديني صرف، كحفظ الدين واستقراره، ‏ويتفرع عن ذلك: إقامة المدارس والمعاهد والكليات التي تدرس فيها هذه الأمور، ونصب المفتين الذين يفتون الناس في ما ينوبهم من قضايا ونوازل، ‏وإزالة الشُّبَه التي تقع لبعض الناس، وردعهم عن التمادي في باطلهم بعد إقامة الحجة وإزالة العذر، والعناية بالمساجد وتوفير كل ما يلزمها ويتعلق بها، ‏وتحري أهلة الشهور وخاصة ما تعلقت به العبادة كشهري الصوم والحج وتيسير سبيل الحج والإعانة عليه، وقبض الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية، ‏والدعوة إلى الله تعالى بكل سبيل، وإعانة الدعاة إلى الله على ذلك، وغيرها من الأمور الدينية.

    ‏ومنها (واجبات ولي الأمر) ما هو أمني: سواء مما يتعلق بالأمن الداخلي كتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود لتصان المحارم وتحفظ حقوق العباد، ‏أو الأمن الخارجي كتحصين الثغور وحفظ حدود الديار من الاختراق من قبل الأعداء، وهذا يستلزم وجود جيش قوي وقادر مزود بأفضل العدة والعتاد، ‏أو الأمن الفكري كحفظ عقول الناس من الأقوال والأفكار المخالفة لصحيح المنقول أو صريح المعقول ومنازلة الغزو الفكري القادم من خلال الفضائيات، ‏أو شبكة المعلومات، ومايتبع ذلك من إنشاء جهاز لمتابعة الأفكار والأقوال التي تتداول في وسائل الإعلام المتنوعة وعبر شبكات التواصل.

    ومن هذه الواجبات ما هو اقتصادي: حيث يعنى بحفظ ثروات المسلمين وتنميتها وما يستتبع ذلك من إقامة المشروعات الزراعية والصناعية حسب بيئة المجتمع، وإنشاء الأجهزة والإدارات التي تعمل على تحقيق ذلك، ثم توزيع هذه الثروات بين المسلمين بالعدل ومنع المعاملات المحرمة كالربا ونحوها.

    ‏ومنها ما هو إداري حيث يستعين بالأكفاء النصحاء القادرين على تحقيق خطة وطموحات الدولة فيوليهم الولايات ويضع التنظيمات المناسبة ‏التي تعين على ذلك، ثم هو بعد ذلك يتصفح الأحوال ولا يتشاغل عن متابعة الأمور لا بدنيا ولا بعبادة، فهذا وما شاكله مما يجب على الإمام القيام به، ‏ويستحدث من الأنظمة والتدابير الموافقة للأحكام الشرعية ما يعين على القيام بكل ما وجب على أحسن حال من الدقة والأمانة وسرعة إنجاز الأعمال.

    ‏‏ومن هذه الواجبات ما هو سياسي وهو القيام على أمور الأمة بما يصلحها وما يترتب على ذلك من إشراك الأمة في تحمل مسئولية أمانة الحفاظ على دين الأمة، ‏وإصلاح دنياها ومشاورة أهل الشورى في تحقيق ذلك، وكفالة حرية الأمة في اختيار ما تستريح إليه مما تقره أحكام الشريعة.
    ‏ومنها ما هو اجتماعي كرعاية أخلاق الناس ودفع المنكرات وإشاعة المعروف وبالجملة كل ما ورد فيما يقوم به أهل الحسبة.

    ‏* انظر مقال: ولي الأمر واجباته وحقوقه، للكاتب: محمد شاكر الشريف، على شبكة صيد الفوائد.
    ‏بعد هذا العرض لواجبات الحاكم المسلم في إطارها الشرعي، فإن مما يؤسف كل عاقل لبيب بعض اتجاهات التغريد على تويتر وغيره ضد الحجر على بعض مثيري الفتن في السعودية، ‏واتهام ولاة الأمو في المملكة بأنهم يسجنون العلماء والدعاة!

    ‏والرد الأولي على هذا أو أولياء الأمر لم يحجروا على العلامة الفوزان، أو العلماء العباد واللحيدان وغيرهم، فهذه المدينة المنورة ومكة والرياض والقصيم وما فيها من علماء أجلاء وطلبة علم ودعاة
    ‏فما سمعنا أن المملكة حجرت يوما على واحد منهم، ‏وكل الذين تم الحجر عليهم توجهوا توجها مخالفا لنظام الحكم في المملكة ما أوقعهم في شبهة زعزعة الأمن وإضرام نار الفتنة بين الناس، ‏والحجر عليهم ليس فيه إلا كفهم عن شر ينجم عن مسار غير صحيح يتماهى مع سياسات عدوة ومناهضة وليس فيه انتهاك لحرماتهم وآدميتهم، ونسأل الله أن يتم رفع التحفظ عمن جرى التحفظ عليهم خلال وقت عاجل وأن لا تطول معاناتهم وفراقهم لأهلهم لكن الأمر يستحق كلمة صريحة وواضحة.

    ‏لقد وصل المسار الإخواني إلى درجة خطيرة لا يمكن التساهل معها حيث أنه ينسج الآن خيوط تناغم مع عدو مجوسي يريد دمار جميع بلادنا، وأوصلت ‏شهوة السلطة الإخوان لاختراق جميع الخطوط الحمراء بما لا يمكن بقاء سياسة التعايش أو حتى غض النظر عنهم كما كان في السابق.

    والمتحفظ عليهم من بعض دعاة السعودية ورموز العمل الإسلام - سياسي فيها ربما ليسوا أعضاء في جماعة الإخوان رسميا لكن غير خاف تعاطفهم معها، ‏وهذا في هذه المرحلة لا يمكن تحمله - دعك من قبوله - فالحال حال حرب وجود , ‏فنحن أمام عدو حالة الشذوذ القطرية بجواره أقل من مزحة سخيفة.

    ‏ختاما: أسأل الله بمنه وكرمه أن يسبغ على الأمة الإسلامة وبلدانها الأمن والأمان ويصرف عنهم الفتن ويجمع كلمتهم على الحق والهدى.


    *يوسف علاونه*
    twitter: @yousefalalawna
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام