• تركيا .. النكبة


    بقلم : فهد السديري عندما جمعت المملكة العربية السعودية تحالفها وقادته لدعم الشرعية في اليمن وقتال المتمردين الحوثيين الموالين لإيران فيها من خلال عملية عاصفة الحزم, وتحديداً في الأيام الأولى , رددت بعض وسائل الإعلام حينها أن الجمهورية التركية هي عضو مشارك في هذا التحالف.

    ولا اخفي سراً اذا قلت انني وبقدر سعادتي بتحرك المملكة واشقاؤها لردع العابثين في اليمن وعلى حدودنا , الا انني كنت شديد القلق من مثل هذه المشاركة لتركيا .. ولم يتسنى لي تنفس الصعداء الا بعدما تأكدت ان الاتراك لم ولن يشاركونا في هذا التحالف ولو بإصبع "كفته" , وان الموضوع لم يكن الا بروبجندا إعلامية مؤقتة وفارغة.

    أما السبب في قلقي من مشاركة الأتراك معنا في أي شيء فكان نتاج قرائتي الشخصية للتاريخ التركي او العثماني "سموه ما شئتم“، وتكوّنت وجهة نظري استناداً "للتاريخ" ولا أكثر حتى لا اتهم بالعنصرية ضد العجم.

    حبا الله سبحانه الأراضي التركية بموقع استراتيجي بين قارتين مهمتين هما أوروبا وآسيا، كما حباها الله بالطبيعة الخلابة والانهار والمناظر الطبيعية، استوطنتها القبائل القوقازية والارمنية والجورجية والالبانية والكردية وبعض العرب وفيها أهلها المسلم والنصراني وحتى اليهودي.

    ورغم هذه الاختلافات في العرق والدين الا انهم توحدوا في طبيعتهم البشرية من حيث العصبية الزائدة والتسرع في اتخاذ القرارات مما يتسبب لهم ولمن يحالفهم بالهزيمة والفشل في الغالب.

    فلو أخذنا القرن الماضي فقط على سبيل المثال لقراءة منجزات هذه الدولة وقيمنا اختياراتهم وقراراتهم الكبرى ونزاعاتهم لما وجدنا لفظاً يعبر بدقة عن حالهم أكثر من مصطلح "النكبة".

    ففي حربين عالميتين خاضها الاتراك بجانب حلفائهم الالمان ضد قوات الحلفاء، انهزم الالمان والأتراك هزيمة مذلة رغم انهم كانوا أكبر قبل تلك التحالفات وكذلك من حالفوهم.
    وفي منتصف السبعينات اجتاحت تركيا جزيرة قبرص وأدى ذلك لتقسيمها ومازالت مشكلتها قائمة وتتردد حتى هذه اللحظة في أروقة الأمم المتحدة منذ ذلك الوقت.

    واذا عدنا للقرن الذي يسبقه لوجدنا ان كثير من المشاكل الموجودة اليوم على مستوى العالم سببها في الأساس "تركي" , فمن مجازر الأرمن الى استغلال الأكراد في مأساة الأرمن ثم الانقلاب عليهم فيما بعد ووصفهم بالإرهابيين , مروراً بجذور مشكلة البوسنة المسلمة , فالصرب الذين كان العثمانيون يختطفون أطفالهم ثم يلحقونهم بمعسكرات تدريبية لجعلهم محاربين اشداء تحت اسم " الانكشارية" ثم يعيدونهم لقتل اهاليهم من الصرب المسيحيين.

    وكلما عدنا بالتاريخ لوجدنا ان النكبات تتوالى على الأمة بسبب الترك منذ تغلغلهم في الخلافة العباسية والاسهام في اسقاطها لاحقاً إذا ما استثنينا فقط اثنين من السلاطين العثمانيين كانت لهم إنجازات حقيقية كان أثرها لا يتجاوز حدود تركيا نفسها ولا أكثر.

    والمتأمل لا يرى الاصدار الجديد لتركيا الحديثة يبتعد كثيرا عن تركيا الإصدار الأقدم من حيث سوء الطباع وسوء التقدير وسوء الطالع والهياط الفارغ .. فما زال العرب ينبذونهم ويتشائمون منهم بسبب تاريخهم الطويل في العنجهية والغباء الذين اجتمعا ابان الاستعمار أو "الإستحمار" العثماني للبلاد العربية والذي لم يجلب للعرب الا المزيد من الجهل والضياع حينها .

    والاوروبيون كذلك لا يريدونهم بسبب ما لهم من تاريخ دموي وأسود شهدت أوروبا تجاربه في ما بعد عصر النهضة , والروس لا يحبذونهم لتاريخهم الحربي القديم مع الإمبراطورية الروسية .

    وربما يتذكر بعضنا في أواخر عهد القذافي كيف منحت ليبيا الشركات التركية مشاريع اسكانية كبيرة، سرعان ما توقفت بسبب الحرب في ليبيا والتي نشأت بسبب تداعيات ما اسموه "الربيع العربي" وساهمت فيه تركيا بشكل مباشر من خلال تهريب الأسلحة ودعم فصائل الاخوان في ليبيا مضحية بالمكاسب الاقتصادية من اجل حلم صعب المنال وهو إعادة الحكم التركي على الدول العربية او بعضها ان استطاعت كما فعلت ايضاً في سوريا.

    فلا هي التي استفادت مادياً ولا هي التي حققت المستحيل بحكم اتباعها "الاخوان" الموالين لرئيسها في تلك المناطق!!

    مشكلة تركيا الحقيقية تكمن في قادتها دائما .. فهم يريدون كل شيء بلا مقابل غير الكلام.. وبالتالي لا يحصلون على أي شيء الا الكلام.

    والرئيس أردوغان كمثال .. لا يشذ عمن سبقه من القادة , وان سجل له التاريخ أنه يفوقهم "هياطاً".. فعلى سبيل المثال:

    سمعناه يجعجع عن خطوط حلب الحمراء .. ثم وجدناه يسلمها

    وسمعناه ينتقد ايران .. ثم رأيناه يهرول اليها لعقد صفقات تجارية وتعاون عسكري ضد الاكراد.

    رأيناه مزهواً بإسقاط الطائرة الروسية قبل ان يعتذر للرئيس الروسي بوتن بعدما "شاف العين الحمراء".

    رأيناه يتوعد إسرائيل نصرة لغزة المحاصرة وينتصر لحماس بالقول .. وفي نفس الوقت يعمق التعاون العسكري مع إسرائيل ويوقع معها الاتفاقيات التجارية ويجري جيشه المناورات المشتركة معها.

    وغير ذلك العشرات من مواقف الهياط التي لا تلبث لأيام حتى يكشف الله سترها.

    لذا .. أرى ان تركيا وقادتها كانت ولا تزال "نكبة" الأمة و "نكبة" كل من يتحالف معها , فلم تكن في صف أحد الا وهتك الله حلفه وبدده والتاريخ خير شاهد، ولهذا كان خوفي من انضمامها معنا في أي تحالف أمر مبرر!

    قد يخالفني البعض من المفتونين بجمال الطبيعة في تركيا او المحبين للمأكولات المميزة في المطبخ التركي " كأصابع الكفتة والشيش طاووق" أو "حلاو الحلقوم" أو حتى مستزرعي الشعر في السنوات الأخيرة.

    لكني هنا أؤكد ان تشاؤمي من "تركيا النكبة" لا علاقة له بكل تلك الأمور وانما فرضه علي تاريخ قرأته وأتمنى ان نعتبر منه , أما ما حفزني لكتابة هذا المقال فهو تصريح المستشارة الألمانية في مناظرتها التلفزيونية مع منافسها قبل أيام حينما أكدت رفضها التام كباقي دول الاتحاد انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وذلك بعد استقرائها للتاريخ الذي لم يعيه الألمان الا بعد حربين عالميتين جرتا على الشعب الألماني وشعوب أوروبا والعالم الويلات في القرن الماضي.

    ولعل المستشارة الحكيمة لم تتطرق لكلمة " نكبه " في وصفها لتركيا كما فعلت أنا ولعلها أيضاً لم تقول كما يقول شيباننا أن تركيا " محزم خوص " لمن يتحزم بها , ولكن الأكيد أنها تركت التفاصيل وقفزت مباشرة للنتيجة النهائية بقولها " لا نريدهم".

    ليس ذنب الاتراك انهم "نكبه" أو كما يقال "نحس" او غير موفقين , فهذا أمر قدره الله لهم , ولكن على الفطين ان ينتبه ويحذر ومن يحذر يسلم.

    * بقلم: فهد السديري *
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام