• للثَّقَافَةِ .. "مُحَرِّرُهَا"


    بقلم : الطيب لعزب كَتَبَ الأديب : "سهيل إدريس" رواية أسماها " أصَابِعُنا التي تحترق " ، ليس بودي هنا، أُقَدّمَ لهذه الرواية العربية ، ولا حتى محاولة قراءة نقدية لها.

    لأنَّني بصراحة لم أطَّلِعْ إلى بعض الصفحات منها، ولقد شدَّ انتباهي في اللوحة الثالثة للقسم الأول منها، هذه الكلمات التي تَصِفُ البعض من أجواء " المُحَرِّرِ الثَّقافي" أثناء عمله، فتَحِيَّةٌ لكل مَنْ يعمل في هذا الميدان بجُهدٍ ، وأمانةٍ ونَجَاح .

    "غزيرٌ هو بريد اليوم يا صاحبي ، ثلاث عشرة رسالة، فضلا عن عددٍ وافرٍ من المجلات والكُتب ، فلنفضها على مهلٍ.

    هذه قصَّة لم يسبق أن قُرِأَ لكاتبها، إنهم لكثيرون ، أولئك الذين يُجَرِبون إنشاءهم ، وبداية هذه القصة لا تُغري بالمتابعة ولكن من يدري فقد تحمل بين سطورها شيئا، قد تكون موهبة تتبرعم فلا بُدَّ أن تُقرأَ حتى نهايتها .

    ولكن لم تكن به رغبةٌ آنذاك في القراءة ، وإن كان ذلك لم يَمنعْهُ من تَصَفُحِ الرسائل المرفقة ، ماذا إذن يقول كاتب هذه القصة؟ ".. فإذا لم تكن صالحة ، فليس أقرب إليك من سلة المهملات ، تُمَزَّق بلا شفقة ، وتُلقى فيها بلا حسرة! ".

    وطوى القصة والرسالة وهو يشعر بالإستياء : ما أشدَّ ثقة صاحبنا بنفسه كيف يُريدني أن أحترم ما يكتب إذا كان هو نفسه لا يحترمه ؟ ومع ذلك فلتوضع في ظرف " القِراءة".

    وابتسم لنفسه حين ذكر تلك الرسالة الأخرى التي كانت قد جاءته منذ أشهرٍ . لقد وردت فيها عبارة " سلة المهملات" هذه ولكن بغير هذه اللهجة ، كان يقول له كاتبها ما معناه : إيَّاك أن تُلقي بها إلى سلة المهملات ! فإذا فَعَلْتَ فسوف أتهمك في ذوقك الأدبي إنني أعتقد أن قِصتي هذه سَتُحدِثُ ضَجَّةً ، فإذا رأيت ألا تنشرها ، فتفضل بالكتابة إليَّ مُعلِّلا ، وإلا فاسمح لي أن أقول إنَّك تخون واجبك الأدبي ، إنَّ عليك أن تأخذ بيد النَّشَائِين ، فما كان يكون مصيرك أنت لو لم يأخذ بيدك أصحاب المجلات حين بَدءِ الكتابة منذ أكثر من خمسة عشر عاما ؟".

    لقد أحَبَّ لهجة تلك الرسالة ، لما كانت تَنِمُّ عنه من ثِقَةٍ بالنَّفس ، صحيحٌ أنَّه كان في القصة المرفقة التي قرأها بعد ذلك رومانتيكية وتعمل في اللغة ، غير أنَّ صاحبها يستحق أن يُشَجَّع . ولقد كتب له بالفعل يُبدي ملاحظاته ويحثه على المُضي في الكتابة . ولو لم يفعل أكانت وردته بعد ذلك تلك الأقاصيص الكثيرة التي حقق فيها الكاتب كثيرًا من التَّحسن ؟ أكان نشر له أخير تلك القصة في العدد الأسبق ؟.

    أمّا هذه الرسالة الثانية التي تضم قصيدة طويلة ، فكم كان يود أن يترفق بكاتبها بالرغم من عبارات التَّجَنِي التي حَمَّلَها إيَّاها . لقد كان يتهمه بأنَّه لا ينشر إلا لذوي " الأسماء اللامعة والشُهرة الضخمةِ" وأنه "يكتفي بالنظر إلى التوقيع" من غير أن يقرأ المادة ." فإذا كان الإسم معروفًا أُدْرِجَت المادة في المجلة وإلا أُهْملَتْ" ويذكر الكاتب " أن كثيرا من أصدقائه حذروه من أن قصيدته ستُهمل " لأنه شاعرٌ مغمور ، ومع ذلك فهو قد أرسلها " وإنِّي أتحدَّاك بأن تنشرها ".

    وحين قرأ القصيدة ، وهو يُجهد في ضبط أعصابه ، وقف فيها على كثيرٍ من الأخطاء العَرُوضِية والمعاني الضحلة والصور المبتذلة ، ومع ذلك فقد قرَّر أن ينشرها في " بريد القُرَّاء" مع نصِّ الرسالة المرفقة بها حَرفيًّا، من غير ما تعليق ، إنَّ القُرَّاء هم الذين سينتقمون له منه ! ووضع القصيدة والرسالة في ظَرف " بريد القُرَّاء" وعاد إلى رسائله ..." (*)


    *بقلم: الطيب لعزب*
    fb.com/mail.tayeb

    -----------------------
    (*) سهيل إدريس ، رواية " أصابعنا التي تحترق " ، دار الآداب – بيروت ، ص 26 و27 .
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام