• الكِتَابَةُ للطِفْلِ العَرَبِي "كَمَشْرُوعِ مُوَاطِنِ الغَدِ"


    بقلم : الطيب لعزب جميلٌ عالمُ الأطفالِ ، سعيد وبريء .. عالم لا يحاول أن يُصَلِّب الأشياء بل يصهرها ، ويتعامل معها ببساطة ، ويُحَوِّلها إلى لعبة ممتعة يقضي بها الوقت أو معظم الساعات والأيام .. عالم مليء بالمغامرات المثيرة ، والابتسامات المنيرة .. عالم يبكي ولكنه يفرح بأشياء كثيرة .. يُطربه فقط أن تهتم به أو تبتسم في وجهه أو تمسح على شعر رأسه .. إنه بسيط في أشكاله ولكنه عبقري يحمل بداخله أكثر من غموض ... إنه عالم ثري ! .. يمكن أن نتعلم منه أشياءً كثيرة تُرسم بأنامل جميلة ذات ألوان مفرحةٍ " مشروع حياتنا" .. إن ذلك الكائن الصغير .. ذلك الطفل المولع باللعب لدرجة الهذيان .. في نومه يتمتع بمقدرة عجيبة على الإنجاز رغم التعب ، فالأول قهر للتعب النفسي ، والثاني للتعب الجسدي .. إن الطفل بفطرته النقية يعرف كيف يتعامل مع الأشياء فهو أثناء عمله"اللعبة" يحاول أن يقنع نفسه بما يعمل ، فيحدثها بصوت عالٍ ، وكأنه يقول لها :" لا تتعبي ،.. واصلي ، إني أشجعك على ذلك .. فهذا ممتع جدًّا ". ما أجمل أن نأخذ دروسا "مجانية" من الطبيعة ،من البراءة، من النقاء والصفاء ... ما أجمل أن نأخذ دروسا في الإرادة التي لا تتعب ، والطموح الذي لا يفشل .. ما أجمل أن نجعل حياتنا وأتعابنا "لعبة ممتعة ".. تجعلنا نفرح بلحظات الحياة القصيرة وبرضا مريح لنفوسنا .

    وتعزيزا لهذه المحبة الفطرية للطفل والحياة في كل زمان ومكان، ولأرضنا العربية المفدية والمسقية بدماء الشهداء الأبرار من رجال ونساء ، المدافع عنها ببسالة المقاومين والمقاومات و المجاهدين والمجاهدات ،وسواعد أبناء وبنات الشعوب العربية التي كانت ولا تزال محتضنة قوة الثورة على المستعمر بالأمس ،والمحافظة على انتصارات اليوم إرثا وطريقة للحياة،كل بطريقة حبه لهذا الوطن العربي الكبير في: أعين الأطفال ، وبساطة الناس ، وبتوق الارتقاء ،و بمزيد المطالب مثل كل الشعوب العالمية التي تأمن في أوطانها ، ولا تبتغي بديلا عنها ، لأنها حملت ذكريات طفولتها ومرتع شبابها ، وصور تحولاتها ومراحل نموها ، وعثراتها ونهضتها وقوتها واكتمال عافيتها في خضم أمتها ،التي زادتها المحن والإحن صلابة ومرونة، وشجاعة وبطولة لصد الانتكاسات ، وتشخيص العوارض بالعلاج الفعال الذي ينسجم مع الجسم ،ويتوافق مع الأعضاء في اتزان واتصال حكيم ، ورُشد بالغ وبليغ لحماية شأفة الوطن والمواطن والأمة على مر التاريخ سواء كان معاصرا أو حديثا أو ضاربا في القدم.

    وإن مكتسبات الإنسان والمواطن في أيّ أمة كانت هي الجوهرة الفريدة التي يجب المحافظة عليها ، فإن لم تكن كافية في نظره ، فإن آيات الشكر والامتنان تزيدها نماء ، وتجعل الواحد اثنان ،والاثنان ثلاثة ، والقليل كثير ، والتنمية بالكتابة للوطن،وحب الطفل لوطنه على أرضية انجازات الأمة أو بها، صمام أمان بأيدي التعاون والتسامح ،والعمل بإبداع فني رائق لبناء غد لنا ولأبنائنا وبناتنا من جيل إلى جيل يفخر بما قدم السابقون وحققه القادمون في مستقبل زاهر بين الأمم ذات السبق العظيم ،و ضمن الرخاء والنعيم.

    ومما نظم الشاعر : محمد صالح رمضان للوطن من ديوان " ألحان الفتوة" :

    أنا لنفع وطــني@@وأُمـتي سأعـملُ
    اليوم ألهو وغـداً@@غـدا عليَّ العملُ
    لا تُهملوني فـأنا@@الرجـــا المــؤملُ
    بل علموني تُحَضِروا@@فتًى لكـم يُناضلُ

    فالوطن له محل من القلب والعقل ، والعيش فيه تفاعل معه ، والابتعاد عنه اشتياق له ، واستقراره أمان ، وتنميته استمرار، وترقيته تطور ، ومحبته إيمان ، والدفاع عنه شجاعة وواجب .

    والرَّاية العربية الخَفَّاقَة هي رمز: "لأوطاننا" ورمز "لـنا" في كل وطن ، و هي دليل أنَّنَا كُنَّا ولازلنا ومازلنا ، وَطَنًا عربيا نصنع مجدنا ، أرضنا هي أرضنا ، سماؤها تظلنا، هواؤها يُنعشنا ، تلالها العديدة ، هضابها المديدة ، جبالها الشامخة ، أنهارها الجارية ، صحراؤها الشاسعة ، وبحرها لأفقه اتصالٌ برايات تثبت وجودنا ، وتنوع ينم عن ثرائنا، و هوية مشتركة تعلي حقيقة وحدتنا .

    و لما كانت التنمية حقا، فإن تنمية احترام الهوية الثقافية واللغوية و القيم الخاصة للإنسان والمواطن العربي ، والقيم الوطنية لبلده ، أخذا في الاعتبار أهمية تقاليده وقيمه الثقافية ، وواجب التَّحصن بها، وحقه في ذلك ، لهو تقوية لمناعته (الحافز) والمشجعة لتنميه وطنه بإرثه الثقافي، وقيمه الروحية الراسخة ، مع الحفاظ على تقاليده في التضامن والعدل ، النابعة من فطرته السليمة ، والقيم الإنسانية السامية ، والمثل العليا الخالدة ، التي تجعل منه المواطن الإنسان الواثق في قدرته على المساهمة الفعالة في التقدم الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، في عالم اليوم والغد.

    ولا شك أن الترعرع المتناسق منذ المراحل الأولى من العمر،" بايلاء الوظيفة الهامة التي تؤديها وسائط الإعلام، وتضمن بذلك إمكانية الحصول على المعرفة والمعلومة والمواد من شتى المصادر الثقافية و الوطنية ، وتشجيع نشرها" ، لهو تعزيز للرفاهية ذات المنفعة الاجتماعية والروحية والثقافية والمعنوية منها.

    وإن التعاون في الإنتاج الفكري أساسا من خلال كتاب الطفل ، والتطور إبداعا وفنا، و حرفة و صناعة ، والاشتغال على ذلك عملا و اتقانا، وابتكارا و استمرارا، وتجددا و ثقة ، وعقد العزم ،مبادرةً وانجازًا ، يُدِرُّ هو الآخر نفعه على الجميع ، بالخير العام ، ولاسيما للمرحلة العمرية المؤَسِسَة التي بُني عليها الإنسان والمواطن، والتي تستدعي الحماية والعناية و مزيد من الاهتمام ، بالاستناد إلى كل من المنظومة التشريعية الوطنية القائمة لكل بلد عربي ، ومن مواثيق الأسرة الدولية ،ألا وهي مرحلة الطفل الإنساني الذي هو في عُرفِ الأوطان "مشروع مواطن الغد" - وإن لم نقل كذلك أنه هو الوطن نفسه - فهو الحامل لرايته ، والحافظ لأمانته، والصائن لوديعته ، والمدافع عن شوكته في ميدان غده، الذائد عنه بكل قدرته وقوته ، ضد كل من تسول له نفسه خيانة أو اعتداء ، أو نيلا منه أو اجتثاثا.

    ومن هذا المنطلق فإن مشروع مواطن الغد ، يبدأ من راية وطنه ، الممثلة رمزا لبلاده، والمتمثلة في علمه الوطني،الذي يعتبرُ إثبات وجود لشعب وأرض ووطن وأمة ، لها الوجود منذ الأزل ، وأنها باقية و ممتدة جذورها عبر الأجيال والعصور، ولم تزل محافظة على أسس مكونات هويتها .

    وإنني أؤكد هنا أن الطفل العربي هو المشروع الأهم والأكبر المُعَوَّل عليه ، فخرًا لوطنه في غده ، الذي نتمثل فيه أحرار البلاد العربية والإسلامية، وبسالة أبطالها، وشجاعة أبرارها، حين يقتدي بهم ، وينهل من موردهم ، ويتبع أثرهم، ويذكر أمجادهم ، فله الحق في وطنه،و حق وطنه عليه في غده، حيث اليوم يتشرب معنى رايته ، ويلمس ألوانها ، ويُلَوِّن شكلها ، ويلتقي بها ، ويرحل معها بما يناسب عمره ، وخياله ، ويطوف أرضه ، ويعلو مع رايته وألوانها .

    وإن ترغيب الطفل العربي في محبة الكتاب واقتنائه ؛ والمطالعة والشغف بها ؛ مساهمة مباشرة ومهمة؛وخطوة رائدة في إطار العمل على ترقية كتابة تاريخ الأمة العربية والإسلامية عبر كتب ومجلات وغيرها من الوسائط ؛ وتعليمه للأجيال الناشئة من: محبة الكتاب والتعلق به باعتباره كنزا عظيما ؛ فذلك يعد حماية للطفولة ؛ مع تفعيل واجب الآباء على القيام بتربية أبنائهم بواسطة الكتاب المفيد ؛ ورعايتهم بوسيلة حضارية ثقافية سامية للأمة ؛ وبمجازاة الأبناء على القيام بواجب الإحسان إلى آبائهم ومساعدتهم ؛ في إطار الحفاظ على مجتمع عربي متماسك متحصن بقيمه وشعب موحد ؛ وأمة موحدة منذ الأزل ؛ التي تعتز بإشعاعها الدائم والمستدام بين الأمم .

    *بقلم: الطيب لعزب*
    fb.com/mail.tayeb
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام