• الديمقراطيين و ترامب و البيرة


    بقلم : فهد بن محمد السديري لا أخفي متابعتي لتفاصيل السياسة والسياسيين الأمريكيين منذ بداية التسعينات عندما غزتنا الأطباق اللاقطة بعيد احتلال صدام حسين للكويت إبان رئاسة جورج بوش الاب للولايات المتحدة الامريكية.

    كانت القنوات المتاحة لنا وقتها محدودة جداً مقارنة بما يوجد اليوم من آلاف القنوات على أصغر جهاز استقبال "ريسيفر" حديث، فالقنوات العربية كانت محدودة جداً، اما القنوات الغربية فلم يكن هناك سوى بضع قنوات روسية لا نفهم ما يقولون فيها وكانت هناك السي إن إن التي غطت احداث الغزو والحرب في المنطقة من بغداد والسعودية وإسرائيل، ومنذ ذلك الزمن وأنا اشاهد السي ان ان لمتابعة الاخبار العالمية ومتعتي الحقيقية كانت في متابعة الانتخابات الامريكية ومجرياتها حتى ليلتها الأخيرة.. ولم يفوتني أي منها منذ عام 1992 حين فاز بيل كلينتون وخسر جورج بوش الأب.

    كان ميولي دائماً باتجاه الجمهوريين لوضوحهم في الصداقة او العداء، ولم ارتح للديمقراطيين أبداً خاصة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام وبالأخص منطقتنا، فيما عدى مرة واحدة تهورت وتحمست فيها للرئيس السابق باراك أوباما حيث شفع له عندي اسم ابوه "حسين" واعرف ان هذا العذر عذر تافه لكن هذا ما حدث.

    على أي حال .. فخلال السنوات الماضية مكنت التكنولوجيا الكثير من الشبكات الإخبارية الأمريكية والأوروبية من الوصول لنا بسهولة و يسر بعد ان كانت مشاهدتها محصورة داخل أمريكا وفي بعض البلدان الأوروبية كبريطانيا، فأصبحنا نشاهد شبكة فوكس والسي سبان وام اس ان بي سي وغيرهم من الشبكات الإخبارية العريقة كما كنا نشاهد في الزمن القديم السي ان ان كمصدر اخباري وحيد وغير منحاز.

    ومن خلال متابعتي للقضايا والسياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية في كل تلك السنوات لم يمر علي مثل ما حدث هذا الأسبوع في حدثين هامشيين متناقضين في ولاية ويست فرجينيا لم تبرزهما وسائل الاعلام الأمريكية بالشكل المستحق ومروا عليهما باستحياء مرور الكرام رغم طرافتهما.

    الحدث الأول .. خطب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المهرجان الوطني للكشافة في ويست فرجينيا وكان الحضور بالآلاف من صبية الكشافة الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخمسة عشر عاماً.

    وعادة ما يكون الخطاب الرئاسي الموجه في مثل هذه المناسبات ولمثل تلك الفئة العمرية خالياً من الحديث في السياسة ويقتصر الحديث فيه عن التربية المدنية وخدمة المجتمع وهكذا مواضيع توجه للنشء.

    ولكن الرئيس ترامب الذي تحدث للحضور من صغار السن في دقائق معدودة عن أهمية النجاح وتحقيق احلامهم، لم يصبر عن الحديث في السياسة والاقتصاد وحتى "الدشاره" بأسلوبه المسرحي الاستعراضي المعروف عنه.

    فتكلم أولا عن الاقتصاد مخبراً الحضور من الالاف الأطفال ان الأسهم الأمريكية ارتفعت منذ يوم انتخابه، ثم عرّج بالحديث على نظام الرعاية الصحية "أوباما كير" ومدى فشله من وجهة نظره مؤكداً "للأطفال “بأنه سيلغيه ويستبدله.

    ولم يغب عنه ان يؤكد للأعداد الغفيرة من الأطفال وبأسلوبه المتميز "كذب استطلاعات الرأي واعلام الاخبار الملفقة “Fake News” ".

    ثم توقف قليلاً واستجمع نفسه وسأل الحشود قائلا: الم يكن يوم 8 نوفمبر " يوم انتخابه " يوماً عظيماً؟ ثم باغتهم بسؤال آخر: هل سبق وأن حضر الرئيس أوباما أي مهرجان للكشافة في السابق؟

    وأخيرا .. أختتم خطابه بسرد للحشد الكبير من الكشافة الصغار قصة صديق له تاجر عقارات معروف يدعى " ويليام ليفت " بدأ حياته ببناء المنازل وكان يذهب ليلاً لجمع المسامير من مواقع البناء الكبرى ويبيعها ومع الوقت أسس شركة عقارية باعها بمئات الملايين من الدولارات فأشترى يخت وأصبح يقيم فيه الحفلات الماجنة.

    هنا أنفجر الحشد الطفولي بالتصفيق حماسة وتأييداً لهذا الرئيس العظيم و"الملكّع" في نفس الوقت.

    على الجانب الآخر وفي نفس الولاية كان الديمقراطيون يتدارسون أسباب هزيمتهم أمام شخص كدونالد ترامب ويتساءلون عن الشيء الذي فعلوه بالخطأ وتسبب في خسارتهم في الانتخابات الرئاسية وفي أربعة انتخابات خاصة تلتها وخسارة مقاعد حكام في اثني عشرة ولاية بخلاف الأغلبية بالكونغرس الذي سيطر عليه الجمهوريون.

    فتصدر زعيم الأقلية النائب الديمقراطي عن نيويورك "تشارلز شومر" المشهد في تجمع للديمقراطيين ليقول نحن كحزب شعارنا عرض أفضل للعمال واجور اعلى وتكلفة أدنى وأدوات اقتصاد القرن ال 21.. وهو شعار مسروق من اعلان بيتزا بابا جونز في أمريكا حسب تعليق قناة أم اس ان بي سي.

    أما النائبتان الديمقراطيتان " اليزابث وارين" و "ايمي كلوبوشار" ولدغدغة مشاعر الفئات التي لم تصوت للديمقراطيين ولعلها صوتت لترامب، تركز حديثهما في هذا التجمع عن انعدام المنافسة في الاقتصاد الأمريكي وتحدثوا تحديداً في المنافسة في سوق البيرة التي تسيطر شركتين فقط على 70% منه!

    هذا ما خرج به الديمقراطيون وخلصوا اليه بعد ستة أشهر من البحث عن أسباب خسارتهم وفوز ترامب حيث استنتجوا اخيراً انهم لم يتواصلوا بشكل جيد مع السكارى الذين صوتوا لترامب!!

    اما ما خرج به ترامب هذا الأسبوع رغم الانتقادات الحزبية على خطابه فهو شعبية جارفة بين الأطفال، فيما أدخل الديمقراطيين في دوامة جديدة من التفكير المنطقي فيما هو غير منطقي.

    وخلاصة القول .. اعود لما قلته في مقالي السابق ترامب وروسيا والسي ان ان: لمقارعة ترامب وهزيمته، على الديمقراطيين وإعلامهم قراءة تاريخ ترامب وكيفية فوزه بمقعد الرئاسة وفهمها ليتمكنوا من التعامل الأمثل معه وإلا فأنه سيستمر رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لفترتين رئاسيتين تمتدان لثمان سنوات قادمه في حال اصرارهم على الفهم بأن الرئاسة تقليدية فيما الرئيس غير تقليدي.

    شخصياً .. انا سعيد ومستمتع بما يفعله ترامب بالديمقراطيين وأجده مسلياً، وأتمنى أن يستمر في العبث بغبائهم لسنوات طويله، فقد آذوا العالم العربي ايما أذى وخاصة فيما اسموه الربيع العربي الذي تأذت اغلب الدول العربية وتسبب في مقتل وتشريد الملايين بلا ذنب.

    * بقلم: فهد السديري *
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام