• النَّشاط البَشري و كَفالةُ العدالة الإجتماعية للجميع


    بقلم : الطيب لعزب يحتفل العالم كل عام باليوم الدولي "للعدالة الإجتماعية" في العشرين (20) من شهر شباط/فبراير، المعلن عنه بقرار " اتخذته الجمعية العامة - للأمم المتحدة - اعتبارا من الدورة الثالثة والستين لها " بتاريخ 26 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 .

    وإن موضوع هذا "اليوم الدولي لعام 2017" هو" منع الصراعات والحفاظ على السلام من خلال العمل اللائق"، وقد دعت الجمعية العامة فيما سبق - في دورة الإعلان والقرار- "جميع الدول الأعضاء إلى تكريس هذا اليوم الخاص لتعزيز أنشطة ملموسة ، على الصعيد الوطني ، وفقا لأهداف وغايات مؤتمر القمة العالمي للتنمية الإجتماعية المعقود في "كوبنهاجن" آذار/مارس 1995 ،ودورة الجمعية العامة الإستثنائية الرابعة والعشرين "جنيف" 2000 المعنونة بـ"مؤتمر القمة العالمي للتنمية الإجتماعية وما بعده : تحقيق التنمية الإجتماعية للجميع في ظل عالم يتحول إلى العولمة ".

    هذه "العولمة" التي – أُخبرنا عنها - " نُحبها" و"نخشاها " على حد قول إحدى "الأديبات العربيات" في إحدى نصوصها القصصية وفي موضوع آخر يتعلق بذلك المكان المتعلق "باللهو" أو" الإلهاء" أو" الملاهي" وكل المشتقات التي يمكن أن تشتق من هذه العبارة الأخيرة ، و"ملهياتها".

    وهاهي الأمم المتحدة تعبر ضمن" رؤية جديدة للاقتصاد" – في ظل هذه العولمة - عن" تغير العالم تغيرا كبيرا. فنحن لم نعد نعيش في عالم فارغ نسبيا من البشر وصناعاتهم، بل نعيش في عصر "الأنثروبوسين" -وهو مصطلح يراد به الفترة التي يطغى في النشاط البشري على المناخ والبيئة فيكون له بالغ الأثر فيهما- في عالم ممتلئ لم يفتىء البشر فيه يغيرون في النظم "الإيكولوجية" التي تدعم استمرار البقاء. ويمكن القول أن مفاهيمنا الاقتصادية طوّرت في عالم فارغ، ولذا فإذا ما أردنا خلق رخاء مستدام وتحسين الرفاه البشري والمساواة الإجتماعية -والحد في نفسه من المخاطر البيئية - فإن علينا اعتماد رؤية جديدة للاقتصاد وعلاقته ببقية العالم وبما يُمّكن من التكيف مع الظروف الجديدة التي نواجهها."

    "نحتاج إلى اقتصادات تحترم حدود القدرة الكوكبية، مما يمكنها من إعادة استمرار اعتماد رفاه الإنسان على العلاقات الاجتماعية والإنصاف، فضلا عن إقرارها أن الهدف الأقصى هو رفاه بشري مستدام وواقعي وليس مجرد النمو في الاستهلاك المادي."

    "ويجب على الاقتصادات الجديدة الإقرار بأن الاقتصاد هو جزء من نسيج المجتمع والثقافة اللذين هما جزءان من النظام "الإكولوجي" الذي يعتمد البقاء عليه. كما يجب على تلك الاقتصادات الجديدة التنويه على أن الاقتصاد لا يمكن أن يواصل النمو إلى أبد الآبدين على كوكب موارده ليست مطلقة."

    هذه رؤية من " رؤى" الأمم المتحدة " الجديدة" للإقتصاد الذي هدفه ليس " مجرد النمو في الإستهلاك المادي"، الناتج عن" النشاط البشري" في كل القطاعات، ، وعلى حساب "العلاقات" الإنسانية "الإجتماعية" التي تسمو عن مفهوم الإستهلاك " الفارغ".و الذي يعتبر عند البعض – من الملهيات – عن الرفاه البشري" الواقعي" و " المستدام"- .

    إن المواطن العربي والمواطن الإنساني لا تهمه صراعات المصطلحات ، والتعاريف الكثيرة ، والسعي إلى شرحها بعد عناء كبير ، بقدر ما يهمه واقعه المعاش ، وكيف سعت "الإمبريالية العالمية" إلى افتكاك لقمة عيشه والتحكم في مصيره باسم " العولمة" أو غيرها من المفاهيم المعقدة أو البسيطة ، وهو اليد التي تنتج بجهدها ذلك المنتوج أو السلعة في أرضه ، فقد حاولت جهات عالمية إقحامه في دوامة الفقر المصطنع لأجله رغم كده وتعبه ، وهذا بحرمانه " الرفاه المرتقب أو الحالم به " الذي يطمح إليه كل عامل مجد مجتهد .

    وبذلك يكون هذا المواطن الإنسان أو الإنسان الموطن محروما من كفالة عدالة إجتماعية يتحكم في مصيرها آخرون ، من صغار أصحاب رؤوس الأموال أو كبارهم .

    إن الإنسانية تحتاج اليوم بعيدا عن كل المصطلحات المستحدثة أو الحديثة منها إلى"مشاركة" تنموية حقيقة ، يتشارك فيها الإنسان العامل مع صاحب العمل وسط عمل ذو كرامة إنسانية ولائق دون معوقات تحد من مواهبه أو طاقاته ، أو تحاول إنكار فضله على العمل وإنتاجه وتنميته ، بإنتقاص من أجره ، أو محاولة عدم حمايته إجتماعيا ، من أجل زيادة الثروة – الفارغة - من أي تنمية مستقبلية ، والمبنية على – ملهيات الإستهلاك- دون غيره التي يروج لها من العالم وإلى العالم كله، وبمنظور "الإستعباد" و"الإستبعاد" للضعفاء من طرف الأقوياء في الأسواق الدولية المحتكرة منها، و المتحكمة في مصائر الدول النامية أو التي في طور النمو، بأسعار وعلامات تجارية يدفع بها دفعا إلى كل دولة – وفي بعض الأحيان على شكل يشبه فرض عقوبات إقتصادية - دون أن تقترف هذه الدول الناشئة اقتصاديا شيئا وهذا باسم "نظرية" تكييف اقتصادها مع المتطلبات العالمية – حتى تواكب العصر وأهداف ما يسمى" بالعولمة" -.

    إن الإنسان اليوم - ودون أي تمييز واقصاء بأي شكل من الأشكال – يطمح ويريد تعزيز " كفالة العدالة الإجتماعية للجميع " لكل " نشاط بشري" يتشارك فيه مع البشرية بكل عدل وإنصاف لصالح الأمم جميعها، ولنفع كلها: استثمارا ،ونموا اقتصاديا عالميا طيبا، يلقي بظلاله الكاملة والعامة ،ويكون ذلك دوما في كنف الخير وإخاء الإنسانية على مر الزمن .

    *بقلم: الطيب لعزب*
    fb.com/mail.tayeb
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام