• لا مؤامرة ولا يحزنون.. هي مسألة أحجام أيها الأشقاء في قطر


    بقلم : يوسف علاونه ‏خذها مقرة من البداية.. لا وجود لسيناريو ولا مؤامرات.
    الغرب لا يستطيع أن يفعل شيئا مما يتوهم الناس أنه يجري بتخطيط مسبق أو تنفيذا لأوامر من واشنطن.

    ونعم هذه منطقة تخضع لتأثير أميركي واضح، ولكن انتبه جيدا إلى أنه لا يوجد (مثلا) في الأزمة الحالية مع قطر أحد ضد أميركا بما في ذلك الإخوان المسلمين وصديقهم إردوغان!

    المملكة العربية السعودية من أوثق الحلفاء التقليديين لأميركا ودولة قطر فيها قاعدة برية أميركية (العيديد) ومملكة البحرين فيها قاعدة بحرية للأسطول الخامس الأميركي، ودولة الإمارات العربية المتحدة حليف وثيق للولايات المتحدة وجمهورية مصر العربية مثل ذلك بل لها علاقة بإسرائيل!

    تركية التي انحازت سياسيا وحتى عسكريا للجانب القطري عضو في حلف شمال الأطلسي وشريك كبير لواشنطن وتحتفظ معها ومع إسرائيل بأفضل العلاقات!

    إيران التي هي الطرف الأصيل بالأزمة وعدو الجميع احتفلت باتصال هاتفي مع الرئيس السابق باراك أوباما وأقامت عرسا لرئيس لوكسيمبورغ.. ‏‏وهذا الرئيس تحديدا شاهدته شخصيا بطريق الصدفة في سوبرماركت في إمارة الفجيرة ولم أكلف نفسي السلام على فخامته!

    أما جماعة الإخوان المنحازة إلى دولة قطر فتحظى بتأييد الحزب الكبير الثاني وأحيانا كثيرة الأول في الولايات المتحدة وهو الحزب الديمقراطي، وشهدنا جميعا كيف حكم الإخوان مصر واحتفظوا بعلاقاتهم مع إسرائيل وواشنطن ولم يفعلوا شيئا ضد التدخل الإيراني في سورية وغيرها!

    من هنا فإن جميع الاتهامات المتبادلة حول (العمالة لأميركا) وتنفيذ أوامرها ساقطة باطلة ولا أسلس لها من الصحة، والأمر برمته ناجم عن ضيق تشعر به الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية من سياسة قطرية يجزم الكثيرون بأنها أحد أسباب الفوضى العارمة التي تجتاح المنطقة وتوفر الغطاء للجماعات الإرهابية التي تستغل دعوات (الحرية) التي لم ينتج عنها غير الخروج على الحكومات القائمة ما أدى لتدمير عدد من الدول العربية.

    دفعت التطورات السعودية لأن تقود المشهد العربي ضد الإرهاب والتمدد الإيراني بعد انهيار أدوار عربية تقليدية كمصر وسورية والعراق وغيرها.

    وهكذا وكما هو واضح بجلاء فلم يبق أحد غير السعودية وهي في جانب لم تختر التصدي وإن كان هذا واجبها الشرعي لكنها أيضا دفعت لذلك لأنها مستهدفة.

    من جانب إيران كهدف ختامي يسبق الخيال الهيستيري الذي يحرك القيادة الإيرانية بخروج مهديهم المجرم المزعوم والذي سبجعل الدماء عند الكعبة إلى الركب!

    ثم يكون كل الحراك الإيراني ومعه العملاء وبهايم اللطم في هذا السياق.. في العراق وسورية والضاحية الجنوبية من بيروت حتى صعدة!

    هذا الخطر بات واضحا لا ريب فيه وفرض نفسه وبما لا يسمح بذلك الترف المعتاد من المزايدات على مسألة فلسطين بوصفها القضية الأولى عند العرب وهو ما حذا بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأن يقول وبكل صراحة باستحالة التفاهم مع هؤلاء وعدم انتظارهم حتى يصلوا للمملكة بل ‏ونقل المعركة إلى بلادهم وعدم التهاون بما تتطلبه المواجهة من التحسب والاستعداد.

    في الجانب السعودي ودون الجزم بوجود مؤامرة أنتجت الربيع العربي فإن السعودية مثلها مثل واشنطن مثل قطر وتركية وإيران بوغتت بالربيع العربي ثم تصرف كل أحد بما يناسب مصالحه ويحفظ نظامه

    * الولايات المتحدة والسعودية:

    ‏تخبط الأميركيون في الأيام الأولى وأصدروا إشارات متباينة ومختلفة تجاه ما يحدث ثم استقروا على التخلي عن الأنظمة التقليدية‏‏لصالح القوى (الشعبية الجديدة) التي يتصدرها- الإخوان المسلمين وأبدوا كل حرص على مع هؤلاء ما استفز كافة الأنظمة العربية.

    وبينما الدول العربية التقليدية المحافظة في معظمها غير قادرة على مواجهة الخيارات التي بدا أن السياسة الأميركية تسير فيها فقد تصدت السعودية لهذه الخيارات فأيدت الانقلاب العسكري في مصر لأنه كان بدا لها من الإخوان ما هو مزعج جدا لجهة علاقتهم ونظرتهم إلى إيران، ورفضت الانفاق النووي بين مجموعة 5+1 والتفاهمات الأميركية مع إيران وسحقت محاولة تمدد لإيران في البحرين ثم واصلت جملة من سياسات التحدي للولايات المتحدة وكانت ذروة ذلك بقرار التدخل العسكري في اليمن ودون عقد مشاورات مسبقة مع واشنطن.

    مثل الموقف السعودي في هذا صحوة النظم التقليدية للحفاظ على استقرار بلادها من الفوضى العارمة التي تسبب بها الربيع العربي حيث استعادت زمام المبادرة ليترافق ذلك مع عجز الجماعات الأيدولوجية وعلى رأسها جماعة الإخوان عن تقديم البديل المناسب المرجو للنهوض بالمنطقة العربية .

    ومع الوقت والتطورات أمكن لهذا الموقف السعودي أن يتزعم محورا يرى نفس رؤيته يضم أبو ظبي وعمان والقاهرة والرباط والمنامة والكويت.

    ثم جرى استمالة دول أخرى كالسودان وتحقق تعديل لأوضاع تونس لصالح هذه المجموعة وكذلك في ليبيا لتظل المشاكل الجذرية منحصرة مع إيران في كل من العراق وسورية واليمن وإلى حد ما لبنان الذي يقع في نطاق حالة ابتزاز واختطاف شامل للبلد يتولاها حزب عميل لطهران ويتلقى تعليماته منها.

    ضمن هذه المواجهة أظهرت السعودية سياسة حازمة ضد طهران ففي العراق نشطت السياسة السعودية عبر سفير فاعل (ثامر السبهان) كانت مرجعيته مع خادم الحرمين مباشرة وإلى حد أن إيران التي تسيطر على قرار معظم الأطراف العراقية المشاركة في إدارة بغداد لم تتحمل وجود هذا السفير وإلى درجة التهديد بقتله!

    وفي سورية حافظت السعودية على سياسة قادرة ترفض إعادة تأهيل نظام بشار الأسد وتصر على خروج إيران من المعادلة السورية وفي اليمن أظهرت دون التباس بالثبات على هدف عودة الشرعية إلى صنعاء وتحجيم دور الجماعة الحوثية العميلة ادمتشيعة وعدم السماح بأي نفوذ لإيران في اليمن ثم جاءت المفاجأة التي لم يتوقعها كثيرون بفوز الجمهوري المحافظ دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية ليتزامن ذلك مع تحول كبير شهدته واشنطن خلاصته أن إيران لا تصلح شريكا وأن دورها انتهى إلى نتائج مفزعة أدت إلى تزايد خطر وقوة الجماعات الإرهابية والمتطرفة وعلى رأسها (داعش).

    التقط داهية عرب العصر الملك سلمان هذه الإشارات وأرسل من يثق بقدراته الشخصية ليتحدث بنفس لغة الرئيس الأميركي عارضا عليه صفقة قرن كبرى.

    وفي جو من الصراحة الشديدة شرح محمد بن سلمان ميزات وعوائد تجديد العلاقة الاستراتيجية السعودية الأميركية وتحدث بحزم عن قوة السعودية العظمى فالسعودية هي البلد الذي يحتضن أقدس مكانين لدى المسلمين وإذا أدت سياسات خاطئة إلى قهرها فلا يمكن تقدير ردة فعل المسلمين على ذلك.

    ثم عرض محمد بن سلمان وبصراحة متناهية ما الذي ستحصل عليه واشنطن بتجديد تعاونها الاستراتيجي مع الرياض وفي نطاق البرنامج الانتخابي للرئيس نفسه، وبين له بأن السعودية هي في مقدمة من لديهم الملاءة المالية الكافية للاستثمار في البنى التحتية الأميركية التي يريد ترامب تحديثها كما وعد.

    وعرضت ملفات دقيقة عن خطط التطوير والتحديث السعودية في نطاق برنامج (2030) الطموح وفي كافة المجالات بما يوفر للشركات الأميركية فرصا هائلة كان ما عرضه محمد بن سلمان يلبي الشعارات التي أطلقها ترامب بالحصول على المال من الدول النفطية الغنية وعدم إقامة علاقات مجانية معها.

    وبنفس الوقت تحصل هذه الدول وعلى رأسها السعودية على عوائد مجزية تريدها هي من الشراكة مع أميركا أهمها تدوير أموالها وحصول قفزة نوعية في اقتصادياتها وبناء منظومة مصالح مشتركة عملاقة بضمان عدم تقلب السياسات الأميركية.
    كان محمد بن سلمان يريد موقفا أميركيا داعما ضد إيران، وقد حصل على هذا بالمفهوم المطلق من موقف أميركي يتماهى مع الرؤية السعودية بأنه (لا يمكن التفاهم مع هؤلاء) ولا بد من زوال نظامهم.

    وحصل ترامب مقابل هذا على ما يحل عقد شعاراته المتطرفة ضد المسلمين والإسلام بالمجمل فالسعودية ستوفر له أرضية تفاهم شاملة مع العالم الإسلامي.

    وبالطبع كان ترامب يعرف أنه بمجرد أن يطأ أرض الرياض فسيحصل على اللقطة التي يتمنى والتي عاير فيها سلفه أوباما ومنافسته هيلاري كلينتون.

    أما الملك سلمان خادم أقدس مكانين عند المسلمين والذي أهان أوباما مرارا ولم يستقبله في المطار في جرح لكرامة أميركا سيستقبلك عند سلم الطائرة!

    وجاء ترامب إلى السعودية في أول خروج له من بلاده، وكانت زيارة ضخمة فخمة لافتة بكل المقاييس، وكان كل ما جرى فيها وعلى هامشها تكريس زعامة سعودية إقليمية وعالمية.
    ‏وكان هذا مدمرا للطموحات الإيرانية وضربة قاصمة للوهم الإخواني الذي تكتنزه تركية إردوغان محملا على الرافعة القطرية!

    لم يكن هؤلاء في محل القدرة على استيعاب أنهم في حضرة حقبة جديدة عنوانها السعودية العظمى.. ولم تكن السعودية في موضعها الجديد لتسمح بما كانت تسمح فيه سابقا.

    * دولة قطر :

    بدت دولة قطر أنها قائدة العزف في ملحمة الربيع العربي!
    وتضخم دور قناة الجزيرة من قناة إخبارية إلى مايسترو عام لشعوب المنطقة!
    كانت الجزيرة القناة تطويرا لفكرة جريدة بنفس الاسم تنافس جريدة الشرق الأوسط السعودية كقوة ناعمة ترد على رفض الرياض وشريكاتها الخليجيات لانقلاب الشيخ حمد على الشيخ خليفة!
    ولهذا كانت الجزيرة منذ انطلاقتها وكر تنبيش على الأوضاع الداخلية السعودية!
    جمعت شاشة الجزيرة فيضا من الوجوه اللامعة السعودية وصنعت وجوها لامعة أخرى!
    ومع الوقت وقع فراق كبير بين الإخوان والسعودية، لتحتضنهم قطر، ثم تم قفز بخطوة أكبر ناحية جناح فلسطيني يقيم أوثق الصلات مع طهران (حماس)!
    ثم صارت قطر رمز التغيير والحرية وعاصمة للربيع العربي، وصارت كوريدورا لطموح تركي جامح بقيادة المنطقة، لديه حلم عثماني، ووهم انهيار عربي!
    وأصبحت الدوحة الملاذ الآمن للشعارات البراقة الشعبوية والتي يوجد يقين سعودي بأنها أساس الخراب الذي يقع انتقامه على الجميع.

    * ‫دولة الإمارات العربية المتحدة :

    هذا بلد لا توجد فيه أي جماعة سياسية باستثناء جماعة الإخوان.. منحهم المرحوم الشيخ زايد بيته كمقر دائم!
    وفجأة اكتشفت الإمارات أن الجماعة لديها خطة جاهزة لقلب نظام الحكم!
    صار الإخوان هم العدو الأول للإمارات، بينما قطر هي الملاذ الوثير لهم.

    * ‫الجمهورية (الإسلامية) الإيرانية :

    تعاملت مع الربيع العربي بوصفه هدية من السماء لأنها جربته عام 2009 وكان يتعين أن يسقط نظامها عبره!

    رأت إيران في الربيع العربي الهدية الثانية بعد هدية سقوط صدام حسين والاستحواذ على العراق فلم يبق غير الفوضى التامة ليظهر مهديها.

    * ‫الجمهورية التركية‬:

    تعتقد تركية أنها عبر موقفها الحاد من الانقلاب المصري تمتلك جسرا أساسيا إلى العالم العربي بعد رفضها من الأوروبيين.
    تركية تختزن عداوة استعلائية ضد السعودية والمذهب السلفي ولولا أن تركية بلد سني بالمجمل لكانت عداوتها لنا أشد من العداوة المجوسية الفارسية.
    العقل الباطن التركي يتعامل مع العرب كخونة، ومتخلفين، وتاليا تابعين، لتساهم حال النهوض التركي في مقابل التردي العربي بتعزيز نظرة استعلائية ترى أن تركية هي القائد وأن (الزعيم) إردوغان هو الأحق بالرمزية الشعبوية على جميع المسلمين!
    إنها أوهام فطرية للعصبوية القومية ضد العرب.
    وبالمنظور الاستراتيجي فإنه لا مصلحة لتركية بنهوض سورية وحتى العراق لأن تركية تعلم ما الذي يعنيه عراق قوي متحرر من إيران وما الذي تعنيه سورية اقتصاديا وهي التي تحوز على أنشط الشعوب العربية.
    سورية قوية مزدهرة تعني انقراض وهم التفوق الاقتصادي التركي على العرب , أما وجع الترك الأهم فهو الأكراد، وفي العمق العميق لا وجود لوجع عربي مماثل، وإذا تحققت نزعة الاستقلال الكردية المستحقة كان ذلك قصما لتركية.. لهذا تغار تركية من السعودية ولا تريد للمشروع السعودي أن يهزم المشروع الإيراني حتى وإن كان يضايقها بل ويتهددها هي الأخرى.
    إن الخلاصة لكل ما سبق هي أن الأميركيين يتعاملون مع معطيات على الأرض وهم يعرفون جيدا مصالحهم، وهم يبقون الصلات مع الجميع في الظاهر، لكن فيما يبقى للترك والفرس أن يمضوا حتى نهاية الشوط في هذه المداحرة فإنه يؤسفنا القول للأشقاء القطريين بأن اللعب أكبر كثيرا كثيرا من حجم قطر.

    * يوسف علاونة *
    twitter: @yousef3alawna
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام