• هي قطر .. وإن طال السفر


    بقلم : نوف الثنيان المتابع للإعلام العربي والغربي والامريكي هذه الأيام يجد ان المواضيع فيها مختلفة تماما في خطوطها العريضة، فعندما يتحدث الإعلام العربي عن أزمة قطر وتفاصيلها والمتمحورة حول تدخل قطر في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والسعي لزرع الفوضى فيها بداية في مصر ثم ليبيا فالبحرين والسعودية والامارات وصولاً الى مالي، وكذلك استضافتها لأفراد من الجماعات المشبوهة وتمويل بعضها من العراق شرقاً الى مالي غرباً مروراً بمصر وسوريا واليمن وليبيا وغيرها.

    نجد ان الإعلام الغربي ممثل في الدول الرئيسية للاتحاد الأوروبي كألمانيا وفرنسا وبريطانيا منصرف لمواضيع الاقتصاد .. فالبريكست (انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) خط عريض أول للأخبار والمتابعة اللحظية يليه سياسياً محاولات الوساطة البريطانية والفرنسية بين قطر من جهة والدول العربية المقاطعة من جهة أخرى .. وهو موضوع اقتصادي ايضاً , وتأتي أخبار العالم الأخرى في المراتب الأدنى للتغطية الإعلامية.

    أما الإعلام الأمريكي بشقيه الجمهوري والديمقراطي وما بين مدافع ومهاجم , فالجميع منهمك في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وعلاقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحملته الانتخابية وانخراط بعض أقارب الرئيس في بعض جوانب القضية وذلك بتواصلهم مع أطراف روسية قبل الانتخابات.

    وفيما لا يرى المشاهد العادي أي رابط مباشر بين تلك القضايا , أو حتى اهتمام مشترك في المواضيع بين وسائل الإعلام , يرى المتابع المتمعن أن الخطوط كلها متشابكة بطريقة وشكل ما وبينهم رابط.

    الرابط هنا كما يراه المتمعن المتمكن هو "قطر" في الحالات الثلاث .. فالحالة الأولى وهي الاعلام العربي واضح ولا يحتاج الكثير من الشرح .. فهنالك دولة هي "قطر" تتدخل في شئون اشقائها ويشعر اشقاؤها بالأذى من ممارساتها فقاطعوها حتى تستجيب لطلباتهم المتمثلة في إيقاف التدخل في شئون الدول الأخرى والامتناع عن التحريض وإيواء المشبوهين ووقف تمويل الجماعات الإرهابية الخ...

    أما الحالة الثانية وهي الاعلام الغربي فهي أيضاً واضحة ولا تحتاج الكثير من الشرح، حيث تملك "قطر" العديد من الاستثمارات في تلك الدول بإعفاءات ضريبية مما يجعل تلك الاستثمارات تدر الكثير من الأرباح، وتخشى تلك الدول الأوروبية من تطور الأزمة العربية مع قطر ومن ثم ربط تلك الأرباح الناجمة عن الإعفاءات الضريبية بتمويل الإرهاب.

    وأخيراً .. الحالة الثالثة وهي الإعلام الأمريكي وهو إعلام منقسم بين مؤيد للرئيس دونالد ترامب تتزعمه "الجمهورية" شبكة فوكس الإعلامية، وإعلام ضد الرئيس بالمطلق تتزعمه "الديمقراطية" شبكة السي إن إن التي تقاتل للبحث عن أي علاقة للرئيس ترامب بالرئيس الروسي بوتين او بأحد من ادارته.

    والاعلام الأمريكي مؤخراً لا يختلف عن الاعلام العربي كثيراً في تغليب عواطفه فيبرز ما يظن انه لمصلحته الحزبية ويتجاهل ما نظن انه مسيء لصورته العامة، فاذا اعتبرنا ان لقاء ابن الرئيس الأمريكي بمحامية حقوقية روسية عمل مشبوه " رغم نشره لكل المراسلات بينهما بشفافية " فماذا يعتبر الإعلام الديمقراطي التأثير اليهودي او الكوبي او حتى "القطري" في الانتخابات أو التدخل في صناعة القرار الأمريكي وكذلك تشريعات مجلسه النيابي؟

    قد يسأل سائل وما علاقة "قطر" بأمور كهذه في أمريكا؟

    الإجابة هي أن "قطر" وبشكل أوضح من مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية حاولت التدخل في السياسة وصناعة القرار الأمريكي بحسب تقدير "الجمهوريين" , ولمعرفة الموضوع علينا فقط العودة بالذاكرة لشهر مضى وتحديداً في الانتخابات الفرعية لعضوية مجلس النواب الأمريكي عن ولاية جورجيا والتي كان يمثلها في الكونغرس النائب "توم برايس" الذي اصبح وزيراً للصحة في إدارة الرئيس ترامب وبالتالي شغر مقعده في المجلس, مما نتج عنه انتخابات خاضها عن الجمهوريون المرشحة "كارين هانديل" وعن الديمقراطيون "جون أوسوف " وفازت فيها مرشحة الجمهوريين "هانديل" على منافسها "أوسوف" الذي صرف ما يقارب من 27 مليون دولار في حملته تلك .

    وكان السؤال حينها هو : من اين لهذا الـ "أوسوف" بمثل كل هذه الأموال الطائلة التي لا يمكن للحزب توفيرها لمجرد الحصول على مقعد لا يقدم ولا يؤخر في وضع الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ "الكونغرس" الذي يسيطر الجمهوريون عليه بأغلبية ساحقة وعلى مجلس النواب وكذلك الرئاسة.

    حينها بدأ "الجمهوريون" البحث في خلفية "جون أوسوف" لمعرفة مصادر تلك الأموال التي دفعت في حملته فأتضح الهم ن الغطاء المالي الكبير لهذا المرشح الديمقراطي كان يأتي اليه من قناة "الجزيرة" الذراع الإعلامي لدولة "قطر" بزعم شراء القناة لإنتاج "أوسوف" من الأفلام الوثائقية.
    وما بين قصة ترامب وروسيا .. وقطر والديمقراطيين من تشابه واختلاف في طرق العرض لكل طرف نستنتج ان كل وسيلة إعلامية تركز فقط على ما يخدمها من القصة. فقصة "قطر" ومرشح الكونغرس خفت صوتها نظراً لفوز الجمهوريين وهزيمة الديمقراطيين وانتهاء الحدث , أما قصة ترامب والروس فهي لاتزال عالية الصوت رغم انها لن تصل لأي مكان فالرئيس المتربع على كرسي الرئاسة هو ترامب ومالم يثبت اتصاله بشكل شخصي ومباشر بالروس فلن تحدث المفاجأة.

    و في هذه الأيام تحديداً نجد أن "قطر" هي رابط ومحور كل تلك الاخبار المختلفة بالشكل والمتفقة بالموضوع وخاصة لمن يشاهد ويتابع ثم يبحث . فمشاهدة الأخبار تختلف عن مجرد المتابعة .. والمتابعة تختلف عن القراءة والربط وفهم دوافع ومصالح كل طرف اعلامي.

    وأخيراُ .. الاخبار الصغيرة المتناثرة هنا وهناك لا تشي الا بجانب بسيط وجزء ضئيل من الحقيقة .. والمتابع الفطن هو من يتتبع بصبر وبصيرة كل تلك الاخبار ويجمعها للوقوف على الحقيقة فيرى الصورة الكاملة

    * نوف الثنيان *
    Twitter Account: @Noouf_M
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام