• المساعي السِّلمِيَّة، لحَلِّ الأزمَةِ السُّورِيَّةِ


    بقلم : الطيب لعزب إنَّ ما يجمعنا نحن الشعوب العربية ، بسوريا الشقيقة وشعبها، هي أواصر الأُخُوَّة،ومقومات الهوية العربية والإسلامية، وأصول كثيرة من العادات والتقاليد الضاربة في القِدَمِ ، التي تدل يقينا أننا من أمة واحدة عبر التاريخ ومساره، رغم أي تباين للآراء والأفكار ووجهات النظر التي تتفاعل بين الإخوة والأشقاء بشكل طبيعي، و لعل تاريخ النضال والكفاح من أجل التحرر ، ودحر المستعمر أكبر دليل على وحدة القيم الراسخة بيننا في التضامن والتعاون ، من أجل عيشنا جميعا معا، والتنعم بنعمة السيادة والكرامة وسط الوطن الحر والمستقل.

    فسوريا جزء لا يتجزأ ولن يتجزأ أبدا من وطننا العربي الكبير، لأن مكانها الطبيعي بيننا، فتاريخ سوريا هو من تاريخ العرب وتاريخ الإسلام ، فبينها تجسد التسامح الديني والثقافي عبر أجيال، وهي التي احتضت القادة والأبطال فكان لها شرف الإحتضان ، وشرف السَّبق .

    سوريا بلد عربي حرٌّ، مستقلٌ، وذو سيادة مكفولة له ولشعبه، فهو بلد الأحرار، و العِلْمِ والعُلَمَاءِ، والكُتَّابِ، والفقهاء، وأهل اللغة والأدب ، والفِكر، وموطن المثقفين بأنواع الفنون، وضمن كل الميادين .

    و إن إيماننا بوحدتنا، يستنهضنا في الأوقات الحاسمة والعامة ، التي لابد أن نجسد فيها احترام خصوصية كل بلد، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، والسعي من جهة أخرى ببذل الجهد بالوسائل السلمية المتطلبة والإنسانية الوقائية للحفاظ على اللُّحْمَةِ العربية المتماسكة ، و دعم التعاون من أجل تنمية كافة العلاقات الودية،دون المساس بالسيادة المشروعة للشعوب، والسَّعي إلى تحقيق المُثل العُليا للعدالة والحرية والسِّلْمِ في العالم .

    وإن المبادرة إلى ذلك عن طريق السَّلام الذي هو فضيلة أخلاقية، وواجب وطني عميق ، وتَطَلُعٌ عالمي أصيلٌ راسخٌ في ضمائر الشعوب دوما وأبدا، وهو الطريقة المثلى التي تَتَحققُ واقعًا عن طريق المصالحة مع الذات،و الأهل، والمحيط ، وأبناء الوطن وبناته ، والتَّعهد ببداية طريق جديدٍ، لصالح الجميع ،ولأجل خير الجميع.

    فذلك هو السبيل إلى النماء المُعَزِّزِ للإنتماءِ بالمشاركةِ ، و الدَّافع قُدُمًا للتنمية على كافة الأصعد، والطريق الأمثل للإرتقاء و الإزدهار وسط نِعمة الطمأنينة والأمان ، المشفوعة بالإيمان الصادق، والنوايا الطيبة المُجَسَّدَةِ بالسَّعي الإنساني النبيل وبواسطة العمل على ضَمّ الصُّفوف من أجل صالح الوطن ،و المواطن ، بُغية التعاون المشترك، و البناء ومواصلة مشروعه ،وتمكين الأمة من النهوض الجديد والمتجدد ، من أجل غدٍ أفضل وسعيدٍ .

    وإن دور المصالحة الوطنية، يُؤتي ثمارهُ في أقربَ الآجال، بناءً – بفضله تعالى - على المَسَاعِي المُقترحةِ الآتيةِ الذِّكْرِ، بطرقٍ وِدِيَّةٍ سِلْمِيَّةٍ تُدَّعِمُ "السِّيادة المشروعة للشعوب" ، ببذل جهود السِّلم والمصالحة ، في اطار تفهم الوضع الدقيق ، بكل تقدير واحترام ، ومساوقة لمبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد الشقيق :

    أولا : إن إيمان – أبناء وبنات الوطن الواحد - بوحدة الأمة دوما يُدَّعِمُ فِعْلا "وحدة الشعب الذي سيظل واحدا موحدا".

    ثانيا :إن يقين الأشقاء عبر العصور، وما قدمه بلدهم الكبير للأمة العربية والإسلامية والإنسانية " من أنه ، من دون عودة السلـم و الأمن ، لن يثمر أي مسعى من مساعي التـنمية السياسية والاقتصادية والاجتـماعية بالثمار التي يتـوخـونها منه. و إذ أنهم طالـما افتقدوا هذا السلـم و هذا الأمن، فإنهم يقدرون بكل وعي ما لهما من أهمية ليـس بالنسبة لكل واحد منهم فحسب، بل و بالنسبة للأمة جمعاء."

    ثالثا : إن قناعة الشعب " حتى يتسنى له نهائيا تعزيز السلـم و الأمن، لا مناص له من خوض، اليوم، مسعى مقترح جديد قصد تـحقيق الـمصالـحة الوطنية لأنه لا سبيل إلى اندمال الـجـروح من دون الـمصالـحة الوطنية" .

    رابعا : إن الوعي بثمار " الـمصالـحة الوطنية غاية يـنشدها ضمير الشعب حقا و صدقا، ذلك أنها مطلب غير قابل للتأجيل نظرا لـما يواجهه البلد العزيز من تـحديات التـنمية المستقبلية العديدة والجديدة ".

    خامسا :إن الإدرك " بأن الـمصالـحة الوطنية تَعِدُ بكل خير ، يجعلها منها الكفيلة بتعزيز ما في يد البلاد من مكاسب بـما يخـدم جميع الشعب".

    سادسا : إن الإيمان بهذا المسعى ، "يروم إلى لَمِّ شمل الأمة ، كما يُمَكِّنُ من استعادة الإستقرار سياسيا و إقتصاديا و إجتـماعيا و مؤسساتيا".

    سابعا : إن التطلع إلى " إفاضة السِّلـم و الـمصالـحة" يُكْسِبُ "استكمال الـجهود الـمبذولة من قِبَلِ جميـع مكونات الشعب من أجل البقاء وتمكين دور الشعب والبلد ".

    ثامنا : إن "تزكيَّة مسعى السِّلم والمصالحة" يُعَزِّزُ، و" يُؤَكِدُ العزم عـلى تفـعيـل ما استخلصه من عِبَرٍ من أجل إرساء الأسـيـسة التي ستُـبـنى علـيـها البلد غدًا بسواعد الجميع ".

    تاسعا : إن الإجراءات الرامية إلى استتباب السِّلم، هي شؤون داخلية ، وإن بذل الجهود الإنسانية بالطرق السلمية في هذا المجال، واجب إنساني أصيل ، يتضمن مقترحات تتعلق بالحوار المطمئن و الضمانات المناسبة المقترحة من أصحاب الشأن الداخلي، و محاولة اقتراح النظر من جهة أخرى بعمق ضمن آليات العفو وتطبيقها ، والنظر في مسعى إبطال المتابعات بالنسبة للأفراد والمجموعات التي تُعلن السَّلام، و التي تتخلى عن العنف ووسائله ، و لأجل إثبات حسن النية والطمأنة ، يُقْترح في حدود مناسبة لأصحاب الشأن ،السماح ببث رسائل الهدنة في وسائل الإعلام السيادية إلى الرأي العام المُطَمْئنِ ، لدفع بحسم الأزمة نهائيا، والتقريب إلى مطمح السلم والمصالحة، في إطار السلام العالمي ، الذي يبتغيه الشعب السيد ، والدولة جميعا ، وتباركه الإنسانية بكل ثقة .

    عاشرًا : "إنَّ تزكيَّة الإجراءات الرامية إلى استتباب السِّلم يُعزِز قيم الـمصالـحة الوطنية وهذا بالإستجابة الإنسانية للنداءات ولاسيما الأسر ، في إطار التَّعاونِ والمُشاركة ، و ضمن استقلالية القرارات السِّيَّادية لدولة الحقِّ والقانون ، وكذا الإلتزامات الدولية بين الدول الأطراف، ولاسيما المتعلقة بالتنمية ".

    و إن من مقترحات "الإجراءات الرامية إلى تعزيز الـمصالـحة الوطنية" :

    أولا : السعي بكل روح وطنية عميقة والشعور بالإنتماء العميق للأمة إلى " إتـخاذ إجراءات ترمي إلى تعزيز وحدة الشعب و القضاء على بذور البغضاء و إتقاء الـخروج عن جادة السبيل مرة أخرى" .

    ثانيا : الإشادة بتضحيات الشعـب الحر الشقيق ، من أجل الحفاظ على الوحدة ، والسعي إلى " الرفـع النهائي للـمضايقات التي لا زال يعاني منها الأشخاص الذيـن جنحوا إلى الامتثال إلى الضمير الوطني ، واضعيـن بذلك واجبهم الوطني فوق أي اعتبار آخر وهذا بتطبيق إجراءات ملموسة ترمي إلى طمأنة الجميع ".

    ثالثا : إن مسعى الكثيرين الذين مازالوا يسعون سعيا مسؤولا في سبيـل تعزيز السِّلـم و الـمصالـحة الوطنية رافضيـن أن تستغل الأزمة التي مرت بها بلادهم من قِبل الأوساط الداخلية أو الخارجية، هم كذلك يطمحون ، إلى دعم ما يتخذ من إجراءات ضرورية لصالح الذيـن تعرضوا ، عـقابا لهم على ما إقترفوه من أفعال لإجراءات إدارية ، و ترتب عنها فصلهم من مناصبهم ، و ذلك قصد تـمكيـنهم هم و أسرهم من تسوية وضعيتهم الإجتماعية تسوية نهائية".

    من الإجراءات المقترحة و الرامية إلى تعزيز التماسك المُوَحَدِ :

    أولا ـ مُراعاة "كَونِ الـمأساة طـالت الأمة قـاطـبة، و عاقت البناء ، و مسّت مساسا مباشرا أو غير مباشر بـحـيـاة الكثير من الأشقاء" .

    ثانيا ـ إعتبار أنه من "الواجب إتقاء نشأة الشعور بالإقصاء في نفوس غير الـمسؤوليـن عـما أقدم عليه ذووهم من خيارات غير محمودة العواقـب و يَعتبر أن الـمصلحة الوطنية تقتضي القضاء نهائيا على جميع عـوامل الإقصاء الممكن أن تطرأ بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ " .

    ثالثا ـ إعتبار أنه "يـنبغي للـمصالـحة الوطنية أن تتكفل بـمأساة الأسر التي كان لأعضاء منها ضِلْـعٌ مـمارسة ما" .

    رابعا ـ " إتخاذ تدابير التضامن لصالح الـمُعوزة من الأسر الـمذكورة والتي عانت من جراء تـورط ذويها ".

    وبالتبني القريب لهذا المسعى المقترح، فإن الشعب السوري الشقيق - وهو السيد في قراره - يستطيع اليوم كما استطاع أن يبرهن للأمة خلال العصر الذهبي ، وللعالم كله ، قدرته الفعالة على مكانته ،وعلى تجاوز الصعوبات ، والإدلاء بجهده الفكري والعلمي والحكيم من جديد، من أجل الدفع بالتنمية وأهدافها ، في كنف الأخوة والترابط والتلاحم، وهذا بكل عزم وإرادة.

    وإن إيمانه بأهمية هذا الـمسعى، "سيـجعل الأجيال الآتية في مأمن يوطد الوحدة الوطـنية ،و يرقي ويعزز الشخصية و الهوية الوطنـيتيـن ،و يحافظ على ديـمومة القيم النبيلة عـبـر الأجـيـال" للأمة قاطبة وللشعب السيد ، ولخير الوطن وللإسهام من جديد كما كان ذلك في الحضارة العربية ،والإسلامية و الإنسانية عبر عصور طويلة ومتعاقبة من الإزدهار والنماء .

    *والله من راء القصد* .

    بقلم: الطيب لعزب
    mail.tayeb@gmail.com
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام