• وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ


    بقلم : نوف الثنيان ثمة قلوب مصابة بانيميا النقاء ..لاتكل ولا تمل من محاولات ذر الرمل في عيون الآخرين .. لتعميم الغشاوة وتعظيم النقص بالكذب والمبالغات والدعوة لأنفسهم ومن يريدون.., فضلاً عن التلوّن حسب ماتتطلبه الظروف دون اكتراث لمشاعر وحقوق الآخرين طالما أن الظروف مواتية لخدمة مصالحهم الخاصة.

    هذا التبلد والمكر والتحايل ومخادعة الناس لاينطبّق إلاّ على صفات المنافقين , وقد قال عنهم الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} وقال عنهم أيضاً في الآية الكريمة. {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} قال ابن عباس: ( في قلوبهم مرض: أي شك، وكذا قال جمع من علماء السلف وقال بعضهم: أي في قلوبهم رياء ( إن في طبيعتهم آفة.. في قلوبهم علة.. وهذا ما يحيد بهم عن الطريق الواضح المستقيم.. ويجعلهم يستحقون من الله أن يزيدهم مما هم فيه: (فزادهم الله مرضاً) فالمرض يُنشئ المرض.. والانحراف يبدأ يسيراً.. ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد، سنة لا تتخلف ) وكذا سورة (المنافقون)، والتي ذكرت من صفاتهم: (أنهم عند كلامهم يعجبون مستمعهم بحسن كلامهم وبراعة ألفاظهم، وقلوبهم تخفي غيرَ ذلك..)

    وما تعطلت مصالح الناس إلا بسبب هؤلاء الذين كانوا يداً مع كل ظالم في غايته ومبتغاه..
    عن مصعب بن سعد قال : رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل تنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم " رواه البخاري والنسائي وعنده فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما تُنصر هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " صححه الألباني

    الدين معاملة .. وخيانة الدين أخطر من خيانة الضميرالتي تخص الفرد وحده وهي ظاهرة تكتسح مجتمعاتنادون مراعاة لأبسط المبادىء والآداب التي دعانا الله إليها ورسوله الكريم ..القرآن العظيم لم يغفل تفصيلة لأصغر الأمور التي قد نستبسطها ومثال ذلك الآية الكريمة (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ) فكيف الخيانة بابعادها الواسعة ودلالاتها الفضفاضة التي تتعلق بكل زاوية من زوايا حياتنا ..؟!

    امتهان حرفة المثالية في التنظير.. مصيبة ..! , والتشدّق بالفضيلة والتمسّح بالدين وحفظ آيات من القرآن وبعضاً من الأحاديث التي تخدم اهدافهم .. مصيبة أعظم !, الغاية فقط مصالح دنيوية لتبديل القيم والفضائل النبيلة بشريعة خاصة بهم تعتمد على" الأستذكاء".. مهمتهم إضلال الناس عن حقيقتهم القاتمة .. ! حتى اصبحت سلوكياتهم عادة مبرمجة على الباطل .. , واحباطات نكتشفها بخيبة تلو خيبات ..!

    هذا هو النفاق المقيت الذي يزخرف حياة المنافق ويلّون ظاهره فيرى الناس الشر خيراً, أمّا الصادق الذي يعرّي الأخطاء دون كلمات منمقة وإبتسامة زائفة فيوصم بالحماقة ..!!
    هؤلاء المنافقين لو وضعوا نصب تفكيرهم إن الموت آتي في أي لحظة وستنقطع بهم الأسباب .. وسيتركون كل شيء خلفهم شاهداً عليهم وآخر عهدهم بالناس الذين ناصروهم بوداعهم عند قبورهم .!.

    ولو وضعوا اعتبارا للآية الكريمة ( يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم) و( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)
    هل سيعترفون حينها بينهم وبين أنفسهم بالمحبة المرتبطة بالنفاق ؟؟ والمنافحة المستميتة عن من لايستحقون ؟

    القرآن هو الهدى إلى رضا الله .. قبل أنفسنا والآخرين .. (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) فالقرآن الكريم لايخاطب موتانا بل يخاطب الأحياء منّا ..
    قال تعالى ( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) " البقرة :61
    لا نستطيع أن نخاف الله وحده إلا بتوحيده ودون شريك معه، (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) النحل 64 ,( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) البقرة 40

    ومن أمِن مكر الله وتساهل وأمِن العقوبة وآثر رضا الآخرين دون اكتراث لأوامر الله ونواهيه ورضاه قد أخبر عنهم تبارك وتعالى ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) وقال عز وجل (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا)

    فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة عندما غلبه الخوف من النفاق من حيث لايشعر ومن شدة التقوى , له موقف في صلب هذا الأمر الخطير .. فقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم "الداء والدواء" أنَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ كان يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ: "أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللهِ ؟ يَعْنِي فِي الْمُنَافِقِينَ فَيَقُولُ: لَا، وَلَا أُزَكِّى بَعْدَكَ أَحَدًا"."

    (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِى عَلَى عَمَلِى إِلا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَذكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا أَمِنَهُ إِلا مُنَافِقٌ )

    من يعبد الله حق عبادته.. ويرغب في تعزيز صلته به جل وعلا.. لا بد من أن يجتمع في قلبه محبتة وتعظيمه والخوف منه وحده ورجاءه. حينها لن تستطيع شياطين الإنس والجن أن تغويه أو تظله إلى دروب الشر والظُلم والظلام , لأنه شاء برغبته أن يقيمها على الصراط المستقيم , فتزكية النفس وتطهيرها ذكرها الله في كتابه العزيز (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) "الشمس: 9 ".


    «اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الْكَذِبِ، وَعَيْنِي مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»


    وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام