• مسجد ذو هندسة ريادية في بلدة درزية لبنانية لنشر ثقافة التسامح


    المصور: جوزيف عيد

    A G - AFP من مسافة بعيدة، لا يمكن معرفة ما اذا كان المبنى القائم عند مدخل بلدة المختارة، معقل الدروز في جبل لبنان، عبارة عن مسجد، اذ ان هندسته التي تزاوج بين الابتكار والعقد الحجري القديم تعكس رؤية عمرانية مختلفة كليا عن اي دار عبادة تقليدي.
    ولا يقيم الدروز المتحدرون من احد المذاهب الشيعية الاسلامية، صلاتهم داخل المساجد، الا ان مسجد الامير شكيب ارسلان يهدف بالدرجة الاولى الى دفع الزوار للتفكير في الدين والحداثة التي تنعكس في مسجد بني في قرية يصلي ابناؤها في مكان اخر.
    ويأتي بناء هذا المسجد الذي افتتح في ايلول/سبتمبر الماضي بمبادرة وتمويل من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ليحل محل مسجد اخر كان موجودا في المختارة تم تدميره قبل عقود طويلة جراء عداوات عائلية. ويحمل المسجد اسم جده لوالدته.
    ولاتمام مهمة انجاز هذا المسجد، اعطى جنبلاط المهندس المعماري مكرم القاضي الحرية المطلقة لاعادة تصور ما يمكن ان يكون عليه دار العبادة لدى المسلمين، وجاءت النتائج مذهلة وفريدة من نوعها.

    المصور: جوزيف عيد

    وعوضا عن القبة وبرج المئذنة التقليديين، تتصدر المسجد شفرات حديدية متموجة بيضاء اللون تشكل ما يشبه القفص، لتتداخل مع بناء حجري قديم موجود أساسا، كما لو انها تشكل "حجابا" وفق ما يقول القاضي لوكالة فرانس برس.
    وفي احدى الزوايا الخلفية للسقف، ترتفع هذه الشفرات لتعانق السماء، بما يحاكي تصميم المئذنة التقليدية.
    ويتماهى انعكاس الضوء بين هذه الالواح البيضاء مع اللون الرملي الغامق للحجارة التي شيد بها المبنى التقليدي من طابق واحد.
    وصمم المهندس الفراغات بين هذه الشفرات لتعكس كلمتين يمكن قراءتهما فقط من بعيد، وهما كلمة "الله" الموجودة على شفرات المئذنة الجديدة وكلمة "الانسان" تحتها.
    ويوضح القاضي ان هذا المشروع هو عصارة سنوات من اعادة تصور هندسة المسجد. ويقول "لا شيء مكتوبا في القرآن او في الحديث يخبرك كيف يجب ان يكون المسجد".
    ويضيف "برغم العدد الكبير من افراد الفئة الشابة المتدينة، فاننا لا نرى الكثير من التجارب في هندسة المسجد بقدر ما نتوقع".
    - تصميم غير مسبوق-
    داخل قاعة المسجد، تبدو الجدران ناصعة البياض وعارية الى حد كبير، في وقت يتسرب نور الشمس من كوة مستحدثة في سقف المسجد.

    المصور: جوزيف عيد

    وفي الجزء الخلفي من القاعة، حيث تحفظ النصوص الدينية تقليديا، يمكن قراءة كلمة "إقرأ" المتموجة على الواح خشبية تشكل واجهة الحائط.
    ويشرح القاضي "انطلاقاً من أن +إقرأ+ هي الكلمة الأولى في القرآن، فإنها لا تعني تلاوة عمياء بل قراءة نقدية".
    ولا يمكن لزائر المسجد الا أن يتوقف مذهولا أمام سجادة باللونين الأبيض والأسود تغطي أرض القاعة الداخلية، في تصميم غير مسبوق يجسد موجات صوتية مأخوذة من تلاوة قرآنية.
    ويقول الفنان لورانس ابو حمدان الذي ابتكر هذه السجادة لوكالة فرانس برس "هذه السجادة تشكل نوعا جديدا من فن الخط، بمعنى انها عبارة عن تجسيد مرئي للغة محكية".
    ويوضح انه تم حذف كلمة "الله" حين ورودها في التلاوة القرآنية باعتبار ان السجادة ستوضع على الارض ولكن ايضا "لتعكس فكرة مهمة جدا في هذا المسجد وهي ان الله ظاهر وباطن في آن معا".
    ورغم هذا الابتكار في هندسة المسجد، إلا أنه يحتفظ أيضا بعناصر رئيسية تقليدية، ومنها اتجاه القبلة نحو مكة المكرمة والاذان التقليدي.
    ويشرح أبو حمدان أنه ابتكر صيغة جديدة للآذان تعتمد على الكلمات اكثر من التلاوة لكن تم الابقاء على التسجيل التقليدي نظرا لطليعية هذه الطريقة.
    - "تنوع وتعايش"-
    ويهدف المشروع وفق جنبلاط الى امرين، التأكيد على العلاقات بين المذهب الدرزي وباقي مذاهب الاسلام، وكذلك تعزيز التسامح الديني.
    ويعاني لبنان حتى اليوم من تداعيات الحرب الاهلية المدمرة (1975-1990) بعد سنوات من انتهائها. وتعد منطقة الشوف حيث تقع المختارة، واحدة من المناطق التي شهدت المجازر الاكثر دموية خلال الحرب.
    ومع تطور الاحداث في سوريا التي تشهد نزاعا دمويا منذ العام 2011، عانى الدروز كما غيرهم من الاقليات من قمع الجهاديين الذين اجبروا الكثير منهم على تغيير ديانتهم او حتى طردوهم من مناطقهم.
    ويقول جنبلاط "اعتقد ان الرسالة التي علينا أن نقولها مرارا وتكرارا، دائما في لبنان، هي انه مكان للتنوع والتعايش".
    ويضيف "لا يمكن للبنان أن يحيا الا من خلال التنوع".
    وينظر اهالي المختارة الى المسجد بفضول بوصفه مبادرة نحو الاخرين اكثر من كونه مكانا محتملا للصلاة فيه.
    وتقول صباح عبد الصمد (خمسون عاما) داخل صيدليتها المقابلة للمسجد "لم ادخله بعد ولكن من الخارج يبدو التصميم جميلا فعلا"، مضيفة "إنه أمر محبب جدا، ويرمز للتنوع وقبول الآخر".
    وتتابع "كثيرون من اخواننا المسلمين يمرون من هنا ومن الجيد ان يكون لديهم مكان للصلاة".
    ويعتبر القاضي هذا المسجد بمثابة "فعل بناء جسور" بين مختلف مذاهب الاسلام في وقت "من النادر القيام بمبادرات مماثلة".
    ويرى أن "واقع انه أنجز بهذه الطريقة وفي هذا الوقت تحديدا، يبعث رسالة قوية مفادها أن هناك بديلا، بإمكانك ان تكون متدينا من دون ان تكون منغلقا".
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

لمراسلتنا والتواصل معنا
للتسجيل و دخول حسابك
صحيفة سعودية مرخصة من وزارة الثقافة و الإعلام